ملماً بها. فاعلم إذن أن النساء ما هن إلا أطفال كبار، فيهن ثرثرة مسلية، وأحياناً ذكاء، أما من حيث التفكير الرصين والإدراك السليم، فما عرفت في حياتي امرأة أتيح لها هذان، أو فكرت أو تصرفت منطقياً ولو أربعاً وعشرين ساعة كاملة .. والرجل الفطن إنما يلهو بهن، ويلعب معهن، ويلاطفهن، ويتملقهن .. ولكنه لا يستشيرهن أبداً في الخطير من الأمور ولا يأتمنهن عليها وإن موّه عليهن كثيراً بأن يفعل الاثنين، وهو أشد ما يفخرون به في هذه الدنيا، لأنهن ولوعات بالتسلي بالتجارة (التي يفسدنها دائماً) .. وليس هناك ملق يرينه فوق ما يستأهلن أو دونه، إنهن يبتلعن أبلغ الملق في شراهة، ويقبلن أقله في شكر وعرفان، وفي وسعك أن تتملق أي امرأة مطمئناً، بادئاً بقوة ذكائها ومنتهياً بذوق مروحتها الرفيع. وخير ما تتملق به النساء الجميلات والقبيحات جمالاً أو قبحاً غير منازع هو الإشادة بذكائهن (١٠٧).
وقال الأيرل أن النساء في فرنسا يجب تملقهن في مثابرة وكياسة لسببين: فإن في استطاعتهن أن يقررن مصير الرجل في بلاط الملك، وأن يعلمنه لطائف الحياة وفنونها. فالنساء يحتفظن بسحرهن برشاقة الحركة والسلوك والحديث لا بجمالهن، فالجمال بغير الرشاقة لا يجتذب أي رجل، وأما الرشاقة بغير الجمال فما زالت لها القدرة على الفتنة. "إن النساء هن المهذب الأوحد لكفاية الرجال. صحيح أنهن لا يستطعن إضافة وزن لها، ولكنهن يصقلنها ويضفين عليها بريقاً (١٠٨) ". وحذر الأيرل ولده من الكلام بسوء عن النساء، فهذا أمر مبتذل، سوقي، أحمق، ظالم، لأن النساء اقترفن في هذه الدنيا من الأذى أقل كثيراً مما اقترفه الرجال. ثم إنه ليس من الحكمة أبداً مهاجمة "فئات بجملتها" أو طبقات أو جماعات، "فقد يصفح الأفراد، أما الهيئات والجماعات فلا (١٠٩) ".
ولم يمل تشسترفيلد من تلقين ولده أصول السلوك المهذب. "فالعادات المهذبة هي الوسيط الثابت المستقر للحياة الاقتصادية، كما أن نوع السلعة هو الوسيط المقرر في دنيا التجارة. والناس يتوقعون عائداً في الحالين على السواء، وهم لا يقدمون احترامهم لإنسان فظ، أكثر مما يقرضون مالهم لإنسان مفلس (١١٠) ".