استوعبت كل أفانين الخطباء المفوهين كديموستين أو شيشرون؛ فكان في وسعه أن يحطم خصماً بعبارة واحدة. وقد اتبع قاعدة ديموستين فجعل الحركة حياة الخطاب، فكان لكل سطر إيماءته، وكانت كل عاطفة تشكل وجهه الشبيه بوجه الصقر وتتقد في عينيه الغائرتين، حتى لينفعل بدنه كله وكأن الكلمة صارت جسداً. لقد كان أعظم ممثل اجتنب خشبة المسرح.
ولم يكن ولياً ولا قديساً. فالطمع كان صاري خلقه والريح التي تدفع في قلوعه. ولكن هذا الطمع كفر عن نفسه بانتظامه إنجلترا بأسرها، وأفنى نفسه بجِرّه إنجلترا، رضيت أو كرهت، فوق البحار الإمبراطورية لبلوغ السيادة على العالم. وإذ شعر وليم بأنه الصوت المعبر عن الدولة أكثر من أي صوت حَلْقِي هانوفري، أو أي رشا ولبولية، فقد اتخذ لنفسه مبدأ الحكومات الخُلُقي-وهو أن كل ما ينفع الدولة فهو خير؛ وإذ كان قد توسل بالخديعة، والافتراء، والتخويف، والدس، ونكران الجميل، والحنث باليمين، والغدر، فإن تلك بضاعة رجل الدولة، ولا يحكم عليها الوعاظ بل الملوك. وكان في كل خطوة تقريباً في صعوده يتنكر لموقف دافع عنه قبيل ذلك بكل سمو العاطفة الخلقية (٨٠)، وندر أن توقف ليُفَسِر أو يعتذر، بل كان يركب كل مركب يُبلِغه هدفه، وقد أضفى نجاحه-الذي كان نجاحاً لإنجلترا-القداسة على ذنوبه وطوق رأسه بهالة المجد والفخار. وكان في كبريائه شي جليل؛ فقد كان يحتقر شراء الترقي بالتذلّل، واحتفظ بنظافة يده وسط الفساد والرشوة، وحقق غاياته بقوة شخصية عاتية لا يقف في طريقها عائق.
وقد طارد ولبول لأنه رأى بائعاً يتجر بالسلام، وإنساناً جباناً لا يجرؤ على خوض حرب ضد أسبانيا، شديد الخنوع لملك يبدي-في رأي بت-"نحو هانوفر تحيزاً سخيفاً ناكراً للجميل غادراً"، ملك "لا يعتبر إنجلترا غير إقليم من أقاليم إمارة حقيرة (٨١) ". ولقد واصل الخطيب الغيور سياسته الحربية في قوة وحدة حملت دوقة ملبره وهي على فراش الموت سنة ١٧٤٤ على أن توصي لبت بعشرة آلاف جنيه، ولا غرو فقد ورثت سارة ولع زوجها الدوق الراحل بالحرب.