وسلي نفسه يسافر-إلى أقصى أركان إنجلترا راكباً جواداً أو مركبة أو رجلاً-وكثيراً ما كان يقطع ستين ميلاً في اليوم، وبلغ متوسط ما قطعه أربعة آلاف ميل في السنة على مدى أربعين عاماً. وكان يعظ في كل فرصة. في السجون للمسجونين، وفي المركبات لرفاقه الركاب، وفي الفنادق للمسافرين، وفي السفن العابرة البحر إلى إيرلندة أو من ثغر إلى ثغر. وفي ايبويرت، حين منع من الوقوف على منبر أبيه، وعظ في فناء الكنيسة واقفاً فوق قبر أبيه.
فماذا كان يعظ؟ العقيدة البيورتانية أساساً، تلك التي خيل إلى الناس أن الفوضى الخلقية التي صاحبت عودة الملكة الاستيوارتية عصفت بها عصفاً مميتاً. لقد رفض الجبرية (التي قبلها هوايتفليد)، وأصر على ما دان به الجناح الأرمنيوسي من الكنيسة الرسمية، وهو أن للإنسان من حرية الإرادة ما يكفيه لتقرير ما يختاره أو يرفضه من النعمة الإلهية. ورفض كل لجوء إلى العقل، وأحس أن الدين يصل إلى أبعد مما يصل إليه المنطق الذي صنعه الإنسان، وأنه يعتمد على الوحي الإلهي والاقتناع الباطن، ولكنه ابتعد عن الصوفية بحجة أنها تترك كل شيء لله ولا تحفز الإنسان إلى التقوى النشيطة. وشارك طبقته وزمانه معظم خرافاتهما: فكان يؤمن بالأشباح، وبالأصل الشيطاني للأصوات الغريبة، وبحقيقة السحر وإجرامه؛ وقال إن التخلي عن الإيمان بوجود السحر معناه التخلي عن الإيمان بالكتاب المقدس. ولم يساوره شك في المعجزات، وذهب إلى أنها تحدث كل يوم بين أتباعه. فكان الصداع، أو الورم المؤلم، أو الفتق الشديد، أو الساق المكسورة، تشفى بصلواته أو صلوات الجماعة المثودية؛ وحكى عن فتاة كاثوليكية كانت تفقد بصرها كلما قرأت كتاب القداس الكاثوليكي، ولكنها تستعيده دائماً حين تقرأ العهد الجديد. وقد قبل روايات النساء اللاتي زعمن أنهن رأين الملائكة أو المسيح أو الجنة أو النار، وسجل في يوميته عدداً من الحالات التي عوقب فيها خصوم المثودية بعقوبات خارقة (٥٦).