حقيقة تمارس الانطباعات أو الأفكار، أو تمتلكها، أو تتذكرها، أو تحكم عليها. على أنه إذ يمضي في البحث ينكر وجود أي ذهن ملحق بالحالات النفسية- الإحساس، أو الإدراك الحسي، أو الفكرة، أو الشعور، أو الرغبة التي تشغل الوعي في لحظة بعينها يقول:
"إن ما نسميه "الذهن" لي إلا كومة أو مجموعة من مختلف الإدراكات الحسية توحدت معاً بشتى الارتباطات، ويفترض فيها- وإن كان الفرض خطأ- أنها وهبت غاية البساطة والتطابق … أما أنا فإنني حين أتغلغل فيما أسميه "نفسي" أعثر دائماً على إدراك حسي معين أو آخر، للحرارة أو البرودة، للضوء أو الظل، للحب أو الكره، للألم أو اللذة. ولا أستطيع إطلاقاً أن ألحظ شيئاً غير الإدراك الحسي. فإذا زالت عني إدراكاتي الحسية أي فترة، كما يحدث بالنوم العميق، فإنني طوال هذه الفترة أكون عادم الحس "بنفسي"، ويمكن القول حقاً إنني غير موجود. وإذا زالت إدراكاتي الحسية كلها بالموت، فعجزت عن التفكير والشعور والإبصار والحب والكره بعد تحلل جسمي، فإنني أمحق محقاً، ولست أتصور ما يلزم بعد ذلك لجعلي عدما في عدم … وإذا ضربنا صفحاً عن بعض الميتافيزيقيين .. فقد أجرؤ على التأكيد بأن باقي البشر ليسوا سوى حزمة أو مجموعة من مختلف الإدراكات الحسية التي يعقب بعضها بعضاً بسرعة فائقة، والتي تتدفق تدفقاً دائماً … وهذه الإدراكات الحسية المتعاقبة … تشكل الذهن (٨٤) ".
وهكذا بضرة واحدة من هذا الفتى المتهور سقطت ثلاث فلسفات: الفلسفة المادية، لأننا (كما أثبت باركلي) لا ندرك "المادة" أبداً، ولا نعرف غير عالمنا العقلي عالم الأفكار والمشاعر؛ والفلسفة الروحانية، لأننا لا ندرك أبداً "روحاً" ملحقة بمشاعرنا وأفكارنا الخاصة؛ وفلسفة الخلود، لأنه ليس هناك "ذهن" يبقى حياً بعد الحالات الذهنية العابرة. وكان باركلي قد هدم المادية برده المادة ذهناً، فضاعف هيوم التدمير برده الذهن أفكاراً. فلا "المادة" ولا "الذهن" موجودان. لا لوم على ظرفاء العصر أذن أن "يرفضوا الفيلسوفين جميعاً بهذه