العبارة" No matter, never mind ( وفيها تورية، لا يهم (لا مادة)، لا بأس (ولا ذهن)).
وحرية الإرادة في هذه النظرة المدمرة مستحيلة، فليس هناك ذهن يختار بين الأفكار أو الاستجابات، وتعاقب الحالات النفسية يقرره ترتيب الأحاسيس، وترابط الأفكار، وتناوب الرغبات؛ إن "الإرادة" ليست سوى فكرة تنساب فتصبح حركة، والهوية الشخصية هي شعور الاستمرار حين تستحضر حالة نفسية حالات سابقة وتربط بينها بفكرة العلة. س
ولكن العلة أيضاً ليست سوى فكرة؛ فليس في قدرتنا أن نثبت أنها واقع موضوعي. فإذا أدركنا أن: أ (اللهب مثلاً) تعقبه بانتظام ب (الحرارة)، استنتجنا أن أكانت العلة في ب، ولكن كل ما لاحظناه هو تعاقب الأحداث، لا عملية علية، فليس في استطاعتنا أن نعرف أن ب ستعقب أدائماً. "كل استدلالاتنا العقلية المتصلة بالسبب والنتيجة لا مصدر لها غير العادة (٥٨) ". وليست "قوانين الطبيعة" التي نتحدث عنها إلا تعاقبات مألوفة في تجربتنا؛ لا روابط ثابتة وضرورية في الأحداث، ولا ضمان أنها ستصدق غداً. فالعلم إذن تراكم للاحتمالات المعرضة للتغيير دون إنذار. والميتافيزيقيا مستحيلة إذا زعمت أنها نسق من الحقائق حول واقع مطلق، لأنه لا سبيل إلى معرفة "الأسباب" الكامنة وراء النتائج، ولا "المادة" الكامنة وراء الأحاسيس، ولا "الذهن" الذي يقال أنه كامن وراء الأفكار. وما دمنا نبني إيماننا بالله على سلسلة من الأسباب والنتائج يفترض أنها ترتد إلى "محرك أول لا يتحرك"، فإن علينا أن نتخلى عن تلك السفسطة الأرسطاطالية. إن الأشياء كلها تتدفق، وما اليقينية إلا حلم من الأحلام.
وبعد أن ينشر هيوم الدمار من حوله بسيف عقله البتار، يتوقف لحظة تواضع فيقول "حين أتأمل القصور الفطري في حكمي، تقل ثقتي بآرائي عنها حين أتأمل الأشياء التي أتناولها بالاستدلال (٨٦) " فهو يعلم مثلنا أن اليقينية ليست ضرورية للحياة، ولا للدين، ولا حتى للعلم؛ وإن درجة كبيرة من الاحتمال تكفي لعبور شارع أو بناء