للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هاهنا تشاؤم خفي، فالرجاء لا يمكن أن يبقى حياً إلا بالجهل:

"فارج في تواضع إذن، وحلق بجناحين مرتعشين،

وانتظر الموت، ذلك المعلم العظيم، وأعبد الله.

إنه لا يهبك العلم بالنعيم الآتي،

ولكنه يسمح بأن يكون ذلك الرجاء بركتك الآن.

فالرجاء ينبعث أبداً في صدر الإنسان،

وهو لا ينعم بالسعادة بل لا يفتأ يرجوها أبداً (٣٩) ".

ولا قدرة لنا على رؤية المبرر لما يبدو في الحياة من مظالم؛ وعلينا أن ندرك أن الطبيعة لم تخلق الإنسان، وأن الله لا بد يرتب كل الأشياء لكل الأشياء، لا للإنسان وحده. ويصف بوب "سلسلة الوجود الشاسعة" ابتداء من أدنأ المخلوقات ومروراُ بالإنسان والملاك إلى الله، ويحتفظ بإيمانه في نظام إلهي وإن خفي عن علمنا:

"إن الطبيعة كلها ليست إلا فناً لا علم لك به؛

وكل المصادفات توجيه لا تستطيع رؤيته؛

وكل تنافر تناغم غير مفهوم؛

وكل شر جزئي خير كلي؛

ورغم ما حقد في العقل الضال من كبرياء،

فإن هناك حقيقة واحدة واضحة، وهي أن كل الوجود صواب (٤٠) ".

أما الدرس الأول فهو التواضع العقلي. ثم هذه الأبيات المذكرة تذكيراً رائعاً ببسكال:

"فاعرف نفسك إذن، ولا تجسر على فحص الله،

فالدراسة الصحيحة للبشر هي الإنسان.

هذا الذي وضع هذا البرزخ في حالة وسط،

كائن حكيم في غموض، عظيم في فجاجة …

حكم أوحد في أمر الحقيقة، مدفوع إلى أخطاء لا تنتهي،

مفخرة الدنيا، وأضحوكتها، ولغزها المحير! (٤١) ".