فلنوافق في إطار هذه الحدود البشرية على أن "محبة الذات، منبع الحركة، تحفز الروح"، ولكن لا بد للعقل أيضاً أن يدخل ليبث النظام والتوازن في عواطفنا وينقذنا من الرذيلة. لأن"
"الرذيلة مخلوقة متوحشة رهيبة السحنة،
نكرها حالماً نراها،
ولكنا لكثرة ما نراها نألف وجهها،
ونحتملها أولاً، ثم نرثي لها، ثم نعانقها (٤٢)".
هذه العواطف وإن كانت كلها ألواناً من محبة الذات إلا أنها جوانب من المخطط الإلهي، وقد تفضي إلى نهاية طيبة حتى لبصرنا الأعمى. فشهوة الجسد تبقى على النوع، وتبادل المصلحة ولد المجتمع. والنظام الاجتماعي والإيمان الديني نعمتان واضحتان، رغم أن الملوك وأصحاب المذاهب لطخوا التاريخ بدماء البشر:
"ليختلف الحمقى حول أشكال الحكم
فأصلحها هو أفضلها إدارة وتصريفاً
وليقتتل المتعصبون الثقلاء حول ضروب الإيمان،
فلن يخطئ من عاش حياة فاضلة (٤٣)".
أما الرسالة الرابعة من مقال الإنسان فتنظر في السعادة، وتحاول جاهدة أن تسوي بينها وبين الفضيلة. فإذا رأيت الرجل الصالح يبتلي بالكوارث، والأشرار يفلحون أحياناً، فإنما السبب أن:
"العلة الكونية
لا تعمل وفق قوانين جزئية بل كلية (٤٤)؛ "
والله ينظم بالكل، ولكنه يترك الأجزاء لقوانين الطبيعة ولإرادة الإنسان الحرة. وقد يأسي البعض لفوارق الملكية باعتبارها مصدراً للشقاء، ولكن الفوارق الطبقية ضرورية للحكم:
"فالنظام أول قوانين السماء، وإذا سلمنا بهذا
كان البعض، ولا بد أن يكونوا، أعظم من الباقين (٤٥) ".