وليس هذا واضحاً وضح النهار، ولكن أي كلام آخر يمكن أن يقال للفيكونت بولنبروك، (أو يقوله بولنبروك)؟ والسعادة موزعة بالقسط رغم عدم المساواة في العطايا الطبيعية والمكتسبة؛ فالفقير سعيد سعادة الأمير. وليس سعيداً ذلك الوغد الغني؛ فهو يحتضن أمواله ولكنه يشعر باحتقار العالم له، أما البار فتنعم روحه بالسلام حتى في الظلم.
أما ما يسترعي نظرنا لأول وهلة في مقال الإنسان، فهو هذا الأسلوب المحكم الذي لا يضارع في إيجازه. يقول بوب "لقد اخترت الشعر لأنني رأيتني قادراً على التعبير عن هذه الأفكار بالشعر بأوجز مما بالنثر (٤٦) ". ولم يبلغ شاعر، حتى شكسبير نفسه، ما بلغه بوب من مقدرة على حشد ذخائر لا حصر لها- وحشد المعنى الكبير على الأقل- في حيز ضيق. فهنا في ٦٥٢ بيتاً زوجياً، هي أدعى لأن تعيها الذاكرة من نظيرها في أي ميدان أدنى معادل غير العهد الجديد. وكان بوب عليماً بحدود قدراته، فقد أنكر صراحة أصالة أفكاره، وأراد أن يصوغ من جديد فلسفة ربوبية متفائلة بفن موجز، ووفق فيما أراد. وفي هذه القصيدة نحى عقيدته الكاثوليكية ولو إلى الحين. ورأى في الله علة أولى فقط، لا يعني "عناية إلهية خاصة" ليقي الرجل الفاضل من خبث الأشرار. وليس في هذا النسق معجزات، ولا أسفار مقدسة موحاة من الله، ولا آدم ساقط أو مسيح مكفر، إنما هو رجاء مبهم في الجنة، ولكن لا ذكر للنار إطلاقاً.
وقد هاجم نقاد كثيرون القصيدة باعتبارها فلسفة "إنسانية أو بشرية" منظومة. فالقول بأن "دراسة البشر الصحيحة هي الإنسان" عرف وجهاً من وجوه هذه الفلسفة، وبدأ أنه يغرق اللاهوت كله. فلما ترجم المقال إلى الفرنسية انقض عليه قسيس سويسري يدعى جان كروزاز، فزعم أن بوب قد ترك الله في طريق جانبي في قصيدة مفروض فيها أنها تبرر طرق الله للإنسان. ولم يخف للدفاع عن بوب أمام هذا الهجوم من الخارج رجل غير وليم وربرتون الفحل، فقد شهد أسقف المستقبل أن القصيدة عملاً من أعمال التقوى المسيحية التي لا شائبة فيها. ورغبة في تهدئة رجال الدين نشر بوب في ١٧٣٨ ترنيمة