للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جانزبورو، وصورة "سيدة في ثياب بنية (١١) " لها الملامح القوية لامرأة أفلحت في تربية أطفال كثيرين؛ وإذا كانت صورة "الآنسة ماري إدواردز (١٢) " ميتة نوعاً ما، فإن الكلب-وهو حاضر دائماً في لوحات هوجارث-يبعث فيها الحياة، وأروع من هذه الصور اللوحات الجماعية مثل "أسرة برايس (١٣) " و "أبناء جراهام (١٤) " وأفضل حتى من ذه "خدم هوجارث (١٥) "، حيث ترى كل وجه مرسوماً في حب بكل طابعه المتفرد. وأبدع صوره كلها بالطبع هي "بائعة الجمبري (١٦) "-وهي ليست لوحة شخصية بل ذكرى رجل سليم قوي الصبية التي رآها تبيع الجمبري من سلسلة متزنة على رأسها؛ فتاة عطلت من كل زينة أو زخرف، لا تستحي من الأسمال التي تكسوها، تطل على الدنيا وقد توردت وجنتاها وتألقت عيناها صحة وعافية بفضل الحركة والنشاط.

وقد ترك هوجارث على الأقل أربع لوحات صور نفسه فيها. ففي ١٧٤٥ صور نفسه مع كلبه السمين "ترمب (١٧) ". وفي ١٧٥٢ أرانا نفسه جالساً إلى حامله، جسم قصير متين، ووجه مستدير قصير سمين، وأنف أفطس عريض، وعينان زرقاوان أتعبهما طوال النضال وشفتان مزمومتان تحفزا لاستئناف النضال. كان في رأي ثكرى "مواطناً لندنياً أميناً مرحاً، ورجلاً مخلصاً صريحاً، يحب نكتته، وأصحابه، وكأسه، وروزبيفه-روزبيف إنجلترا العجوز (١٨) ". ولم يكن يصل طوله غلى خمسة أقدام، ولكنه كان يحمل سيفاً (١٩) ولا يطيق اللغو من أي إنسان. ووراء حبه للقتال دفاعاً عن النفس قلب محب، مسرف في العاطفة أحياناً، قطع على نفسه العهد أبداً بشن الحرب على النفاق والقسوة. وكان يحتقر النبلاء الذين يصورهم، ويحب اللندني البسيط البريء من الخيلاء. وقد أدخل الجماهير الإنجليزية إلى دنيا الفن، فصورهم في آثامهم وآلامهم، في مستشفى المجاذيب، والسجن، والدين، والكد المضني. وكره الفرنسيين لأنهم أفسدوا الإنجليز بغلوهم في الزينة وبخيلائهم الأرستقراطية. ولم ينس قط أنه قبض عليه لأنه رسم رسوماً تخطيطية لبوابة كاليه، فثأر لنفسه بتصويره الفرنسيين كما رآهم هناك: عمالاً أجلافاً، وجمهوراً يؤمن بالخرافة، وراهباً بديناً يحدق بنشوة في كتف من لحم البقر (٢٠).