وقد أنبأنا هوجارث في كتابه "نوادر" كيف حولته ضآلة ربحه من صوره إلى التجارة الذي أكسبه الشهرة، قال:"كرهت أن أنحدر إلى درك "صانع" الصور الشخصية، وإذ كنت لا أزال أصبو إلى الاستقلال في عملي، فقد طلقت كل أمل في الانتفاع من ذلك المورد .. وبما أني لم أستطع إقناع نفسي بالعمل كما يعمل بعض إخواني، وجعل تصوير الأشخاص ضرباً من الصناعة يدار بالاستعانة بمصوري الخلفيات والستائر، لذلك لم تحقق لي هذه الطريقة من الربح ما يكفي لسد نفقات أسرتي. ومن ثم وجهت أفكاري إلى رسم وحفر الموضوعات الخلفية العصرية، وهذا ميدان لم يطرق في أي بلد أو عصر (٢١) ".
وعلى ذلك رسم في ١٧٣١ ست صور سماها "رحلة بغي"، وحفرها على النحاس، ومن هذه المحفورات صنع سلسلة من النسخ المطبوعة عرضت للبيع بعد عام، ترى فيها الفتاة القادمة من الريف تقدمها قوادة قاهرة على الإقناع إلى سيد ملهوف؛ والصبية سريعة التعلم، ولا تلبث أن تحرز ثراءً قبيحاً. ثم يقبض عليها لا للبغاء بل للسرقة، وتؤدي عملها المفروض عليها في السجن وهو نفض القنب، ثم تسير حثيثاً غلى المرض والموت، ولكن يعزيها أن يشجع جثمانه رهط من المومسات، وكان في استطاعة هوجارث أن ينقل شخوصه من الواقع دون مشقة أو عناء، فقد رأينا المسز نيدهام ينكل بها في المشهرة عقاباً لها على احترافها بالبغاء، ويحصبها الجمهور، وتموت من إصابتها. (ومع ذلك فإن الكولونيل تشارتريز، الذي اتهم مرتين بهتك العرض وحكم عليه مرتين بالإعدام، عفا عنه الملك مرتين، ومات في أبهة النبلاء بمقره بالريف (٢٢)). وقد أخطأ هوجارث حين خيل إليه أنه طرق ميداناً جديداً في هذه الرسوم التي تمثل الحياة اليومية، فقد سبقها الكثير في إيطالية النهضة، وفي فرنسا، وفي الأراضي المنخفضة، وفي ألمانيا. ولكن هوجارث جعل الآن من "الموضوعات الخلقية" فناً وفلسفة. على أنه، ككل الأخلاقيين، لم يكن مبرأ من الإثم، فقد أطاق في غير اشمئزاز صحبة السكارى والبغايا (٢٣)، واكن الهدف من صوره المطبوعة أولاً التكسب، ثم التبشير بالفضيلة إن أمكن.