بل انسحب في هدوء إلى دير السلبيشيانر في Issy، إحدى ضواحي باريس (١٨ ديسمبر ١٧٢٥). وأمر الملك الدوق أن يطلب إلى فليري أن يعود، وعاد بالفعل، وفي ١١ يونية، استجابة لما وضح من رغبة الحاشية ورجال الدين والجمهور، (٨٣) أمر لويس الخامس عشر، بشكل مفاجئ، بوربون "أن يأوي إلى شانتيللي ويبقى هناك لحين صدور أوامر أخرى". وأبعدت مدام دي بري إلى قصرها في نورماندي، حيث تولاها الضجر والسأم إلى أبعد الحدود، فتناولت السم وفارقت الحياة (١٧٢٧).
وظل فليري يخطو إلى الأمام بفضل تراجعه، ولم يحظ بأي منصب رسمي، بل إنه على العكس، حث الملك على ان يعلن أنه سيتولى الحكم بنفسه منذ الآن. ولكن لويس آثر الصيد أو لعب القمار، وأصبح فليري الوزير الأول في كل الشئون إلا اللقب (١١ يونية ١٧٢٦). وكان آنذاك في الثالثة والسبعين من العمر، وكم من نفس طموحة تطلعت إلى أن يعاجله الموت، ولكنه حكم فرنسا سبعة عشر عاماً.
ولم ينس فليري أنه قسيس، فألغى ضريبة ال٢% فيما يتعلق برجال الكنيسة، فكان جوابهم على هذا أنهم قدموا للدولة منحة اختيارية قدرها خمسة ملايين جنيه، وطلب فليري أن يساندوه في تنصيبه كاردينالاً، وكان في حاجة إلى اللقب ليكون له حق الصدارة والأسبقية على الأدواق في مجلس الدولة، فكان له ما أراد (٥ نوفمبر)، ولم يحاول منذ تلك اللحظة أن يخفي الحقيقة، تلك هي أنه كان يحكم فرنسا.
ولشد ما كانت دهشة الحاشية حين رأوه متواضعاً وهو في أوج السلطة مثلما كان متواضعاً وهو يمهد لها. وعاش في بساطة تكاد تتسم بالتقتير، قانعاً بالحقيقة الواقعة دون امتيازات السلطة ومقتضياتها. وكتب فولتير "إن ارتفاع مكانته لم يغير من عاداته وسلوكه، ودهش الجميع ليجدوا في شخص رئيس وزارة، أعظم رجال الحاشية جاذبية وفي نفس الوقت أعظمهم نزاهة وتجرداً"(٨٤) وقال هنري مارتن "كان أول وزير عاش بعيداً عن الترف والبذخ ومات فقيراً". (٨٥) وكان أميناً غاية الأمانة،