وذهب كثير من الأمان إلى فلسفة فولف مهرطقة إلى حد خطر، رغم اعترافاته الجادة بالعقيدة المسيحية. وأنذر أعضاء في هيئة التدريس فردريك وليام الأول بأنه لو قبلت حتمية فولف فلن يكون في الإمكان عقاب أي جندي هارب، وسينهار صرح الدولة كله (١٦). فأمر الملك المرتاع الفيلسوف بأن يغادر بروسيا خلال ثمان وأربعين ساعة وإلا "كان عقابه الموت الفوري" فهرب إلى مجدبورج وجامعتها، حيث رحب به الطلاب رسولا وشهيداً للعقل. وقد نشر أكثر من مائتي كتاب أو كتيب خلال ستة عشر عاما (١٧٢١ - ٣٧) تهاجمه أو تدافع عنه. وكان من أول أعمال فردريك الأكبر الرسمية عقب اعتلاه العرش (١٧٤٠) إنه وجه دعوة حارة للفيلسوف المنفي يطلب إليه الرجوع إلى بروسيا وهاللي. وجاء فولف وفي ١٧٤٣ عين مديراً للجامعة. وازداد اتباعه للابن التقليدي مع الزمن، ومات (١٧٥٤) في كل ورع المسيحي السني.
ولقد كان تأثيره أعظم كثيراً مما قد نحكم به من شهرته الضعيفة في العصر الحاضر، وجعلته فرنسا عضو شرف في أكاديمية علومها، وعينته أكاديمية سانت بطرسبورج الإمبراطورية أستاذاً فخريا بها، وترجم الإنجليز والإيطاليون مؤلفاته في مثابرة، وفرض ملك نابلي النسق الفولفي في جامعاته. وأطلق عليه الجبل الأصغر من الألمان لقب الحكيم، وشعر بأنه علم ألمانيا أن تفكر. واضمحلت طرائق التعليم المدرسية القديمة، وزادت الحرية الأكاديمية. ونقل مارتن كنوتسن الفلسفة الفولفية إلى جامعة كونجزبرج، حيث كان يدرس إيمانويل كانت.
وضعف تأثير الدين في الحياة الألمانية بسبب تطور العلم والفلسفة، ونتائج البحث في الكتاب المقدس التي أزالت الأوهام، فضلا عن قوى العلمنة الشديدة. وانتشرت بين الطبقات العليا الأفكار الربوبية التي وصلت من إنجلترا بفضل الترجمات واتصال إنجلترا بها نوفر، ولكن أثر هذه الأفكار كان تافها إذا قيس بنتيجة إخضاع الكنيسة-الكاثوليكية والبروتستنية على السواء-للدولة. لقد قوت حركة الإصلاح البروتستنتي العقيدة الدينية حينا، ثم جاءت حرب الثلاثين فأضرت بهذه العقيدة، والآن كان خضوع