يملؤه "الأثير"، وهو مادة أرق من أن تدركها حواسنا أو آلاتنا، ولكن تلمع إليه الماعاً شديداً ظواهر الجاذبية، والمغنطيسية، والكهرباء. والضوء في رأى أويلر تموج في الأثير، كما أن الصوت تموج في الهواء. وقد ميز بين الألوان على أنها ترجع إلى فترات مختلفة من تذبذب في أمواج الضوء، وكان سباقاً إلى نظريتنا التي تنسب اللون الأزرق إلى أقصر فترة تذبذب، واللون الأحمر إلى أطوالها. وقد أثبت بيير بوجيه بالتجربة ما سبق أن توصل إليه كلير نظرياً، وهو أن شدة الضوء تتناسب تناسباً عكسياً مع مربع بعده عن مصدره. وتوصل يوهان لامبرت إلى طرق لقياس شدة الضوء، وقرر أن ضياء الشمس يبلغ ٢٧٧,٠٠٠ ضعف ضياء القمر، وأن علينا أن نتقبل هذا بالإيمان كما تقبلنا اللاهوت الذي ألقي إلينا في طفولتنا.
ب- الكهرباء
حققت فيزياء القرن الثامن عشر أروع تقدم لها في ميدان الكهرباء. لقد عرف الناس كهرباء الاحتكاك منذ زمن طويل. وكان طاليس المليطي (٦٠٠ ق. م) على علم بما للعنبر (الكهرمان)، والكهرمان الأسود، وغيرهما من المواد إذا حكت من قدرة على جذب الأجسام الخفيفة كالريش أو القش. وقد سمى وليم جلبرت، طبيب الملكة إليزابث، هذه القوة الجاذبة "إلكترون" (من كلمة Electron اليونانية بمعنى الكهرمان) وباللاتينية vis electrica. وكانت الخطوة التالية هي إيجاد وسيلة لتوصيل هذه الكهرباء الساكنة واستخدامها. وقد بحث جويريكي وهاوكسي عن مثل هذه الوسيلة في القرن السابع عشر، وبقي أن يظل الكشف الحاسم عليها سراً حتى يتم على يد ستيفن جراي (١٧٢٩).
وكان جراي رجلاً متقاعداً حاد الطبع، نزيل ملجأ من ملاجئ لندن. وحين "كهرب" أنبوبة زجاجية، مسدودة بفلينتين عند طرفيها، بدعكها وجد أن الفلينتين وكذلك الأنبوبة تجذب ريشة طائر. فأدخل أحد طرفي قضيب خشبي في إحدى الفلينتين، والطرف الآخر في كرة من العاج، فلما دعك الأنبوبة، جذبت الكرة الريشة كما جذبتها الأنبوبة والفلينتان، وهكذا أمكن توصيل الكهرباء على طول القضيب. واستطاع باستعمال