وميكانيكية، واختارته أكاديمية العلوم بفضل هذا المقال عضواً ملحقاً بها وهو بعد في الرابعة والعشرين. ومن ذلك التاريخ كرس لابلاس حياته، بوحدة وتوجيه وإصرار في الهدف، لاختزال عمليات الكون واحدة تلو الأخرى إلى معادلات رياضية. كتب يقول "إن كل تأثيرات الطبيعة ليست سوى نتائج رياضية لعدد قليل من القوانين الثابتة"(٦٣).
ومع أن أعماله الكبرى لم تنشر إلا بعد الثورة، فإن إعداده لها بدأ قبل ذلك بكثير. وكان كتابه "عرض لنظام العالم". (١٧٩٦) مقدمة مبسطة غير ميكانيكية لآرائه، تتسم بأسلوبها الصافي المتدفق، وتجسد نظريته الشهيرة (التي سبقه إليها كانت في ١٧٥٥) عن أصل المجموعة الشمسية. وكان هدف لابلاس أن يفسر دوران الكواكب حول محاورها وحول الشمس، ودوران أقمارها، بافتراض وجود سديم أزلي من الغازات الحارة، أو غيرها من الذرات الدقيقة، يغلف الشمس ويمتد إلى آخر أطراف المجموعة الشمسية. وقد برد هذا السديم الدائر مع الشمس شيئاً فشيئاً، وانكمش مكوناً حلقات ربما كانت شبيهة بالحلقات التي ترى الآن حول زحل. فلما ازدادت البرودة والانكماش تكاثفت هذه الحلقات فكونت كواكب، وبمثل هذه الطريقة كونت الكواكب أقمارها؛ ولعل تكاثفاً شبيهاً بهذا السدم كون النجوم. وافترض لابلاس أن جميع الكواكب والأقمار تدور في نفس الاتجاه، وفي نفس المستوى عملياً، ولم يعرف وقتها أن أقمار أورانوس تتحرك في اتجاه مضاد. وهذه "النظرية السديمية" مرفوضة الآن كتفسير للمجموعة الشمسية، ولكنها مقبولة على نطاق واسع كتفسير لتكاثف النجوم من السدم. على أن لابلاس لم يعرضها إلا في كتابه الشعبي هذا، ولم يغل في أخذها مأخذ الجد:"هذه التكهنات حول تكون النجوم والمجموعة الشمسية .... أعرضها بكل التشكك الذي يجب أن توحي به جميع الأشياء التي ليست تنتجه للمشاهدة أو للحساب"(٦٤).
وقد لخص لابلاس مشاهداته، ومعادلاته، ونظرياته-وتقريباً كل علم الفلك المعروف في زمانه-في الأسفار الخمسة الجليلة التي يتألف منها كتابه "ميكانيكا الأجرام السماوية (١٧٩٩ - ١٨٢٥)، والذي سماه جان باتيست