فورييه "مجسطي" الفلك الحديث. وقد ذكر هدفه فيه ببساطة رائعة فقال "بناء على أجرام المجموعة الشمسية الثمانية عشر المعروفة، وعلى مواقعها وحركاتها في أي وقت، أريد استنباط مواقعها وحركاتها في أي وقت آخر، من جاذبيها المتبادلة .... بالحساب الرياضي، والبرهنة على أن هذه تتفق مع تلك التي شوهدت فعلا. "وتحقيقاً لهذه الخطة كان على لابلاس أن يدرس التقلبات التي تحدثها التأثيرات المتعارضة لأعضاء المجموعة -الشمس، والكواكب، والأقمار- ويختزلها إلى انتظام دوري يمكن التنبؤ به. وقد آمن بأن هذه التقلبات كلها يمكن أن تفسر برياضيات الجاذبية. وفي هذه المحاولة لإثبات ما تتمتع به المجموعة الشمسية وسائر الكون من ثبات واكتفاء ذاتي، اتخذ لابلاس رأياً يدين بالميكانيكية البحتة، وعبر عن الفلسفة الحتمية تعبيراً مشهوراً فقال:
"ينبغي أن ننظر إلى حالة الكون الراهنة على أنها نتيجة لحالته الماضية، وسبب لحالته المستقبلة. وإن ذكاء يحيط بجميع القوى العاملة في الطبيعة في لحظة معلومة، كما يحيط بالموقع الوقتية لجميع الأشياء في الكون، في استطاعته أن يدرك في صيغة واحدة حركات أكبر الأجرام وأخف الذرات في الكون، شريطة أن يكون عقله من القوة بحيث يخضع جميع المعطيات للتحليل، فلا شئ يغم على فهمه، وسيبصر المستقبل كما يبصر الماضي، (قارن مفهوم الفلاسفة السكولاستيين عن الله). والكمال الذي استطاع العقل البشري أن يوصل إليه علم الفلك يعطينا صورة عامة ضعيفة لهذا الذكاء. وقد أتاحت كشوف الميكانيكا والهندسة، مشفوعة بكشوف الجاذبية الكونية، للعقل أن يدرك في نفس الصيغ التحليلية الحالة الماضية والمستقبلة لنظام الكون. وكل جهود العقل بحثاً عن الحقيقة تنحو إلى القرب من الذكاء الذي تصورناه، وإن بقي إلى الأبد بعيداً عن هذا الذكاء بعداً سحيقاً"(٦٥).
حين سأل نابليون لابلاس لم يرد ذكر الله في كتابه "ميكانيكا الأجرام السماوية" قيل إنه أجاب "لم يكن بي حاجة إلى ذلك الفوضى"(٦٦) على أن