العليا مرضا سموه " the vapors" وهو مزيج مضطرب من الإرهاق العصبي، والوهم، والأرق، والسأم، يتفاقم أحيانا حتى يبلغ درجة الهستريا.
ولمقاومة هذه الأعداء العامة اتخذت الحكومات بعض التدابير لحفظ الصحة. ولكن القمامة كانت لا تزال في أكثر الحالات تفرغ في الشوارع. وظهرت المراحيض في باريس في مطلع القرن، ولكن في بعض البيوت فقط، ولم تكن توجد إطلاقاً في غير باريس من أوربا. وكانت الحمامات ترفاً يختص به الأغنياء. ولعل الحمامات العامة كانت أقل عددا منها أيام النهضة الأوربية. وأحرز حفظ الصحة في الجيوش والبحريات تقدما أكثر منه في المدن. ونهض السر جون برنجل بالطب الحربي (١٧٧٤)، وأحدث الاسكتلندي جيمس لند ثورة في حفظ الصحة البحرية (١٧٥٧). وخلال بعثة آنسن سنة ١٧٤٠ كان الأسقربوط أحيانا يعجز نحو خمسة وسبعين في المائة من الملاحين. وقرر لند في رسالة خطيرة عن هذا المرض (١٧٥٤) أن عصير البرتقال أو الليمون تداوي به الهولنديون منه في ١٥٦٥ واستعمله السر رتشارد هوكنز في ١٥٩٣، وقد أدخل هذا الدواء الواقي بنفوذ لند إلى البحرية البريطانية (١٧٥٧). ولم تكن في رحلة كوك الثانية التي امتدت أكثر من ثلاث سنين (١٧٧٢ - ٧٥)، إصابات مميتة بالأسقربوط غير إصابة واحدة. وفي ١٧٩٥ تقرر استعمال العصير أو الفواكه الحمضية إجبارياً في البحرية البريطانية (ومن هنا إطلاق كلمة limey على الجندي أو البحار البريطاني)، وبعد هذا أختفى مرض الأسقربوط البحري.
وكان من معالم إنسانية القرن الثامن عشر البارزة، أن يضع فكتور ركيتي، مركيز مبرابوا، مبدأ (١٧٥٦) مؤداه أن صحة الشعب مسئولية تقع على عاتق الدولة. وقد اقترح يوهان بيتر فرانك نظاماً كاملاً للخدمة الصحية العامة في كتابه "نظام كامل للرقابة الطبية العامة"(١٧٧٧ - ٧٨)، وكان قد بدأ حياته طفلاً فقيراً ملقى على عتبة بيت. وهذه المجلدات الأربعة -هذه"الذكرى النبيلة للولاء للإنسانية امتد طول العمر"(٢١) - وصفت