على أنه غير هام "فليس يهمنا من أجل راحة البال، إذا كانت المادة أبدية أو أنها خلقت، أو أنه يوجد أو لا يوجد إله"(٥٨). ولكنه نقل ربما عن صديق وهمي "إن العالم لن يكون سعيداً مطلقاً إلا إذا كان ملحداً"، فعند ذاك لا تكون ثمة مزيد من خلافات لاهوتية ولا اضطهادات من جانب الكنيسة ولا مزيد من الحروب الدينية، ويمكن للإنسان أن يعبر عن غرائزه الطبيعية دون شعور بالإثم (٥٩) وقنع لامتري بالنسبة لشخصه بالمادية (المذهب المادي) وأختتم كتابه "الإنسان آلة" بعبارة جريئة متحدية: "هذا هو منهجي -بل هو الحق، إلا إذا كنت ضللت كثيراً. إنه موجز بسيط. ناقشوه الآن إذا أردتم"(٦٠). ويحتمل أنه من قبيل الدعابة أهدى لامتري بيانه "اللاأدري"(الغنوصي) إلى الشاعر المتدين الورع والعالم الفسيولوجي البرخت فون هوللر الذي رفض الإهداء فزعاً جزوعاً في خطاب إلى "صحيفة العلماء" عدد مايو ١٧٤٩.
إن المؤلف المجهول لكتاب "الإنسان آلة" أهدى إلى كتابه الخطير بقدر ما هو شاذ غير مألوف، وإني لأشعر بأني مدين بالفضل لله وللدين ولنفسي، إذ أدلي بهذا التصريح … إني أعلن هنا أن الكتاب الذي نحن بصدده لا يلتئم مع مشاعري، وأعتبر أن في إهدائه إلى شخصي إساءة بالغة تفوق في قساوتها كل إساءة وجهها المؤلف المجهول إلى كثير من أفاضل الناس. وأرجو ان يتأكد الجمهور أني لا علاقة لي بهذا المؤلف … وأني لا أعرفه … وأنه يجدر بي أن اعتبر أي توافق بيننا في الآراء أعظم كارثة محققة يمكن أن تنزل بي (٦١).
وأستمر لامتري يطبع الإهداء في الطبعات اللاحقة من هذا الكتاب. وتناول الناس "الإنسان آلة" بالنقد والتمحيص على نطاق واسع، وأجمعوا على دحضه وتفنيده. وكان من اليسير نقد الأسلوب المضطرب في هذا المجلد الصغير وشجب الثقة بالنفس وتبيان مواضع مجانبة الحقيقة. ولم يكن واضحاً على الإطلاق أن النفس والجسم يغلبهما النعاس معاً (٦٢) وبعض الكتاب أكثر إشراقاً في أحلامهم وأوهامهم منهم في كتاباتهم.