يعالجوه بالعضات بل بالدواء، وبحزم يحمي المجتمع، بل وبشفقه تعترف بحتمية كونية. ومن المرغوب فيه أن نختار لمناصب القضاء أمهر الأطباء (٦٤).
وكانت هذه الآراء من علائم انتصار أبيقور (وقد أسيء فهمه) على زينون في فرنسا القرن الثامن عشر: واستسلمت الفلسفة الرواقية في العهد الزاهر للويس الرابع عشر، لدفاع الأبيقورية عن مذهب اللذة في عصر الأستنارة، ولشمولية المادة واطراح الآلهة. فلا عجب أن يشتد الإقبال على كتب لاتري من جمهور تحرر من أوهام اللاهوت وأرهقته الشكليات التقليدية والقيود الخلقية. ومهما يكن من أمر فإن المجتمع المهذب نفر من لامتري باعتباره مفكراً خارجاً على جماعته كشف عن كثير من معتقدات الطبقة العليا، وهو عاجز عن ضبط النفس، وهاجمه رجال الدين مبعوثاً من عند الشيطان. وأستحث رجال اللاهوت في ليدن الحكومة الهولندية لإبعاده عن البلاد. وفي فبراير ١٧٣٨ دعاه المفكر الحر فردريك الأكبر للحضور إلى بروسيا ومنحه راتباً، وضمه إلى أكاديمية العلوم في برلين، وأستأنف لامتري ممارسته مهنة الطب وكتب عن الربو وعن الدوزنتاريا أبحاثاً اعتبرها الملك أحسن ما كتب من نوعها. وبعد أن أصطدم فولتير بلامتري في حاشية فردريك، كتب إلى مدام دنيس في ٦ نوفمبر ١٧٥٠ يقول:
هنا رجل مرح جداً، هو لامتري، وأفكاره عبارة عن ألعاب نارية، على شكل صواريخ من السماء دائماً. وثرثرته مسلية لبضع دقائق، ولكنها مزعجة بعد ذلك إلى حد مؤلم. أنه ألف دون أن يدري كتاباً رديئاً، دأب فيه على تحريم الفضيلة والندم وامتداح الرذائل، وحرض فيه قراءه على الحياة المختلفة والمنافية للأخلاق والحشمة -دون قصد سيئ منه. وفي كتابه هذا ألف من اللمسات المشرقة، ولكن فيه نصف صفحة من العقل. إنها أشبه بومضات برق في الليل .. اللهم حل بيني وبين اتخاذه طبيباً لي، إنه قد يعطيني عقاراً مزعجاً بدلا من الراوند بكل براءة. ثم يشرع في الضحك والسخرية. وهذا الطبيب العجيب هو قارئ الملك.