كان يقوم به خطباء رومه وأثينا في شعب ملتف حولهم". وشجع مالشرب الحركة الفكرية بمنح "تراخيص ضمنية" للمطبوعات التي لا يمكن أن تحصل في ظل النظام القائم على ترخيص ملكي أو تنال استحسان السلطات. ذلك أنه كان من رأيه أن الإنسان الذي لم يقرأ إلا الكتب التي صدرت بموافقة صريحة من الحكومة … يكون متخلفاً عن معاصريه بنحو قرن من الزمان تقريباً (٣٥).
وانتهت هذه الفترة السعيدة في حياة الموسوعة بحادث من أغرب الحوادث في تاريخ عصر الاستنارة، ذلك أنه في ١٨ نوفمبر ١٧٥١ تقدم جان مارتن دي براد للحصول على درجة جامعية من السوربون، وعرض على رجال اللاهوت رسالة ظاهرها البراءة والخلو من أية شائبة "من ذا الذي نفخ الله في وجهه روح الحياة"؟ وبينما النعاس يغلب على أعضاء هيئة الامتحان عرض الراهب الشاب في لغة لاتينية ممتازة تضاربات زمنية في الكتاب المقدس، وهبط بمعجزات المسيح إلى مستوى معجزات أسكولابيوس، وإستبدل بالوحي لاهوتاً طبيعياً متحرراً. وقبلت جامعة السوربون الرسالة ومنحت دي براد الدرجة. وأتهم الجانسنيون الذين كانوا يسيطرون على برلمان باريس الجامعة، وراحت الشائعات بأن لديدرو بداً في الرسالة، وسحبت الجامعة الدرجة وأمرت بإلقاء القبض على الراهب. وهرب دي براد إلى بروسيا حيث آواه فولتير حتى خلف لامتري قارئاً لفردريك الأكبر.
وصعق الأمناء الحراس على الديانة التقليدية إذا رأوا أن دي براد هذا نفسه كان قد كتب مقالة "اليقين" في المجلد الثاني من الموسوعة الذي صدر في يناير ١٧٥٢. وكان في هذه المقالة أيضاً لمحات من ديدرو، وتعالت الصيحات ضد الموسوعة حتى أن برتييه الذي أطرى هذا المجلد لما فيه من إسهامات كثيرة في المعرفة، وجه اللوم إلى المحررين على قطعة ذكر فيها أن معظم الناس ينظرون إلى الأدب بعين الإجلال والإكبار مثلما ينظرون إلى الدين "أي إلى شيء لا يستطيعون أن يعرفوه أو يمارسوه أو يحبوه".