طاغية … يعاقب على الهنات الهينات بالعذاب المقيم (٣١). وراوده الأمل في ديانة عالمية تقيم تحت رقابة الدولة "أخلاقيات طبيعية" متحررة من الثواب والعقاب بعد الموت (٣٢). ووضع العقل الإنساني فوق كل دعاوى الإنسان للوحي الإلهي. فإن الرجل الأمين سوف يمتثل دائماً لعقله مؤثراً إياه على الوحي. لأنه سيقول بينه وبين نفسه عن يقين بالغ بأن الله هو منشئ العقل البشري أكثر من أنه مؤلف كتاب بعينه (٣٣).
ولكن أليست المعتقدات الخارقة والوازع الديني ضرورية لفاعلية القانون الأخلاقي؟ يقول هلفشيوس. كلا "ليس على الدين ولكن على التشريع أو القانون وحده تتوقف رذائل الناس وفضائلهم وقوتهم وهناءتهم … إن كل جريمة لا يعاقب عليها القانون تقترف كل يوم فأي دليل أقوى من هذا على عقم الدين وعدم جدواه؟ …
ومن أين ينشأ الأمن الحالي في باريس؟ هل ينشأ من تقوى أهلها وتبتلهم؟ كلا إنما ينشأ من نظام الشرطة ويقظتهم … وفي أية فترة أصبحت القسطنطينية وكر الرذائل؟ في نفس اللحظة التي قامت فيها المسيحية هناك … إن أشد الملوك تمسكاً بالمسيحية لم يكونوا أعظم الحكام. إن قليلاً منهم تحلوا بفضائل تيتس أوتراجان أو أنطونيوس وأي أمير تقي ورع يمكن أن يقارن بهؤلاء؟ (٣٤).
ومن هنا بدا لهلفشيوس أن مهمة الفلسفة أن تبتكر وتنشر أخلاقيات مستقلة عن العقيدة الدينية. ومن وجهة النظر هذه كتب ما أسماه أحد الباحثين "أعظم اختبار على الأخلاق الاجتماعية خطه يراع أي فيلسوف (٣٥) أنه عقد العزم على ألا ينتقص من قدر الطبيعة البشرية أو يجعلها بل يأخذها كما وجدها بكل ما فيها من أنانية، ويحاول أن يبني عليها أخلاقاً طبيعية. إن الإنسان ليس خيراً أو شراً بالطبيعة. إنه مخلوق حاول أن يحافظ على ذاته في عالم يحاول كل كائن آخر فيه أن يفتك به إن عاجلاً أو آجلاً (٣٦). إن الصورة التي كان قد رسمها روسو حديثاً للمجتمع البدائي بدت لهلفشيوس خيالاً تافهاً