للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زوجها وتقديم ما لذ وطاب لهم آوت إلى ركن منعزل وانصرفت إلى شغل الأبرة، دون أن تشترك في مناقشاتهم (٩٣)، وماتت في عام ١٧٥٤ في ريعان شبابها وظل دي هولباخ لبعض الوقت يعاني يأساً تاماً (٩٤) وبعد عامين تزوج من أختها التي أثبتت أنها مخلصة قدر إخلاص أختها. وكان متواضعاً في سلوكه وعاداته وديعاً في مناقشته، لا تعلم شماله ما فعلت يمينه من بر وإحسان (٩٥)، حتى لم يكد أحد يرتاب في أنه كتب مثل هذا الدفاع القوي عن الإلحاد في كتابه "نهج الطبيعة" فكتبت مدام جيوفرين منافسته في عقد الندوات وإقامة المآدب في صالونها: "لم أرَ قط رجلاً في غاية البساطة مثله" (٩٦)، أما روسو الذي درج على كراهية كل جماعة الفلاسفة تقريباً فإنه احتفظ بإعجابه بشخصية دي هولباخ وخلقه إلى حد أنه اتخذه نموذجاً لفولمار الفاضل الذي يعتنق مذهب اللأدرية في رواية "هلواز الجديدية". وكتب جريم الذي حلل كل إنسان فيما عدا روسو في موضوعية رصينة:

"كان طبيعياً أن يؤمن البارون دي هولباخ بإمبراطورية العقل، فقد كان هواه، (ونحن دائماً نحكم على غيرنا بمقدار عواطفنا) أن يضع الفضيلة والمبادئ القويمة في المقام الأول وكان من العسير عليه أن يضمر الكراهية لأي من الناس، ومع ذلك كان لا يستطيع دون جهد جهيد أن يخفي مقته الصريح لرجال الدين … فكلما تحدث عنهم تخلى عنه خلقه الرضي بطبيعته" (٩٧).

ومن هنا ساند دي هولباخ "دائرة المعارف" أكبر مساندة وأسهم فيها بماله ومقالاته. وطمأن ديدرو وشجعه حتى حين تخلى دالمبير وفولتير عن المشروع، وكانت مقالاته في معظمها عن العلوم الطبيعية، فإنه من من الجائز أن البارون كان في هذا الحقل أوسع الفلاسفة إطلاعاً. وكتب جريم في ١٧٨٩. "لم ألتقِ قط برجل أكثر منه علماً وإطلاعاً، ولم أرَ قط، رجلاً أقل منه اهتماماً بالتظاهر بالعلم في أعين الناس" (٩٨). وترجم عن الألمانية كثيراً من الرسائل العلمية بمساعدة نيجيون، ومن أجل هذا عين عضواً في أكاديميتي برلين وبطرسبورج، زلم يحاول قط أن يلتحق قط بالأكاديمية الفرنسية.