وهي ممكنة في الدول الصغيرة وحدها، مع ازدياد وعي الشعب وعقله وذكائه. وقد لا يكون من الحكمة إقامة ديمقراطية في فرنسا في عهد لويس السادس عشر. وقد يستخدم هذه الملك الجديد الطيب ذو المقاصد الحسنة أناساً ذوي قدرات ومواهب عظيمة لإصلاح الدولة. وهكذا يرتضي دي هولباخ، آخر الأمر ملكية دستورية ويهدي كتابه الأخير روح الشعب "إلى لويس" الملك العادل الإنساني العادل الإنساني المحب للخير أبي الشعب وحامي الفقراء (١٥٠) وتعليق الفيلسوف العجوز بهذا الأمل المستميت.
د- دي هولباخ ونقاده
إن "منهج الطبيعة" هو أشمل وأكمل وأصرح عرض للمادية والإلحاد في تاريخ الفلسفة بأسره. أن تردد فولتير وتناقضه ودقته التي لا نهاية لها، وحماسة ديدور الغامضة وكتاباته المتعارضة، ورفض روسو المشوش المربك لما يكتبه جان جاك روسو نفسه، كل أولئك حل محله هنا تماسك دقيق واتساق شديد بين الأفكار، وتعبير قوي في أسلوب عميق أحياناً، مشرق أحياناً، فصيح غالياً، ولكنه دائماً أسلوب مباشر واضح. ومع ذلك فقد أدرك أن سبعمائة صحيفة من هذا النوع قد لا يستوعبها عامة الفقراء. وتلهف دي هولباخ على أن يقبل على قراءة الكتاب أكبر عدد من الناس، ومن ثم فإنه شرح آراءه. ووجهات نظره مرة أخرى في شكل أبسط في حسن الإدراك، أو "أفكار في مواجهة الأفكار الخارقة للطبيعة"(١٧٧٢). وقلما تميز كاتب بمثل هذه المثابرة والجد في نشر مثل هذه الآراء غير المألوفة التي يريد أن يقنع الناس بها.
وأنه لمما يدل على سعة انتشار آراء دي هولباخ رد فعل "منهج الطبيعة" على فردريك الأكبر، إن هذا الملك الذي كان يخطب ود الفلاسفة، والذي مجدوه وامتدحوه على أنه راعيهم ومثلهم الأعلى، أنقلب عليهم حين رأى أحد قادتهم يهاجم الملكية المطلقة والمسيحية بقدر سواء. لقد كان من