والحبر في العهد الذي نستطيع أن نسميه أقدم العهود، ولكن الصين هي التي أخذت عنها أوربا طريقة خلط الحبر بسناج المصابيح. ولقد كانت "الحبر الهندي" صيني الأصل. وكذلك كان الحبر الأحمر المصنوع من كبريتور الزئبق شائع الاستعمال في الصين من أيام أسرة هان. فلما ظهر الحبر الأسود في القرن الرابع الميلادي أصبح استعمال الحبر الأحمر ميزة خاصة بالأباطرة. وكان اختراع الحبر الأسود من العوامل المشجعة على انتشار الطباعة، لأنه كان أصلح المواد للاستعمال في القوالب الخشبية، ويمتاز بأن الكتابة به لا تكاد تمحى مطلقاً. فلقد وجدت أكداس من الورق في آسية الوسطى ظلت تحت الماء حتى عطنت ولكن ما عليها من الكتابة ظل واضحاً تستطيع قراءته (٩).
وكان استخدام الأختام في مهر الأوراق هو البداية غير المقصودة التي نشأت عنها الطباعة. ولا يزال اللفظ الصيني الذي يطلق على الطباعة هو نفسه الذي يطلق على الخاتم. وكانت الأختام الصينية تطبع في بادئ الأمر على الطين كما كانت تطبع عليه في بلاد الشرق الأدنى. ثم أخذوا في القرن الخامس الميلادي يُنَدُّونها بالحبر. وفي هذه الأثناء كانت أمهات الكتب الصينية القديمة تحفر على الحجر في القرن الثامن بعد الميلاد، وسرعان ما نشأت بعدئذ عادة استخراج صور من هذه النقوش المحفورة بعد طلاءها بالحبر. وفي القرن السادس نجد الدَّوَّيين يستعملون أختاما من الخشب لطبع الرقى السحرية، وبعد مائة عام من ذلك الوقت أخذ المبشرون البوذيون يجرون التجارب بقصد استخراج عدة نسخ مطبوعة باستخدام أختام وألواح وورق نضاح وطباعة على المنسوجات، وقد أخذوا هذا النوع الأخير عن الهنود. وأقدم ما وصل إلينا من الطباعة على لوح محفور ألف ألف رقية سحرية طبعت في اليابان حوالي عام ٧٧٠ م مكتوبة بالغة السنسكريتية وبحروف صينية، فهي بذلك مثل طيب لتفاعل الحضارات في بلاد آسية. وطبعت أشياء أخرى كثيرة من القوالب (الكليشهات) في هذه أيام أسرة تانج، ولكن يلوح