من المعجزات تثبت قداسة الدين. ومهما يكن من أمر فإن سلطة الكنيسة لا ترتكز على الكتاب المقدس وحده، بل على التسلسل أو التعاقب الرسولي لأساقفتها، وتقاليدهم التي وضعوها للدين. وفي كتاب اختبار الدين المسيحي (١٧٧١) أكد برجييه الحجة القائلة بأن الإلحاد، على الرغم من الشخصيات الفردية الاستثنائية التي أبرزها بيل، قد يدمر الفضيلة والأخلاق.
وأرق شخصية في المدافعين عن الكاثوليكية من رجال الدين في القرن الثامن عشر في فرنسا هو غليوم فرنسوا برتييه (٨). في سنة ١٧١٤ وهو في سن الثانية عشر والتحق بالكلية اليسوعية في بورج، وهناك اشتهر بحدة ذهن لم تسيء إلى تقواه إساءة ظاهرة. وفي سن السابعة عشرة أبدى لوالديه رغبته في الانضمام إلى "جمعية يسوع" فطلبا إليه أن يفكر في الأمر لمدة عام. ففعل وأصر على رغبته. وفي الفترة التي سبقت تثبيته راهباً في باريس أكب على القراءة والدرس والصلاة حتى إنه نادراً ما خصص للنوم أكثر من خمس ساعات في اليوم. وتقدم ونما بسرعة حتى أنه عين في سن التاسعة عشرة لتدريس العلوم الإنسانية في كلية دي بولوا، وبعد سبع سنين قضاها هناك، وسنة أخرى في الرهبنة، أرسل إلى رن ثم إلى روان أستاذاً للفلسفة. وفي ١٧٤٥ عينه اليسوعيون محرراً لصحيفتهم "جورنال دي تريفو" التي كانت تصدر في باريس آنذاك. وأصبحت هذه النشرة الدورية على عهده من أكثر الأصوات احتراماً في فرنسا المتعلمة.
وكتب برتييه معظم الصحفية بنفسه. وعاش في صومعة صغيرة لم تجر تدفئتها قط، واشتغل كل ساعات النهار، وكان بابه مفتوحاً أمام كل من قصده، وكان ذهنه مفتوحاً لكل موضوع، اللهم إلا العقيدة التي كانت تعمر بها حياته وتغمرها بالدفء. إن لإرهاب La Harpe أحد تلاميذ فولتير، وصف برتييه بأنه الرجل نال إعجاب والباحثين جميعاً، لغزارة علمه وسعة إطلاعه، كما نال إعجاب أوربا لفضائله الموسومة بالتواضع. (٩) وامتاز بسحر الكياسة الفرنسية حتى عند الاختلاف في الرأي. فهاجم