وأعفي المدرسون من الضرائب البلدية ووعدوهم بمعاش تقاعد عند انتهاء الخدمة. وقبل البنكتيون والأوراتوريون والأخوة المسيحيون الانخراط في سلك المعلمين، ولكن الفلاسفة شنوا حملة أحدثت أثراً يذكر. وظل المذهب الكاثوليكي جزءاً هاماً في المنهج ولكن العلوم والفلسفة الحديثة بدأت تحتل مكان أرسطو والاسكولاسيين (الفلاسفة المسيحيين في العصور الوسطى)، وحاول بعض المدرسين المدنيين أن ينقلوا أفكار الفلاسفة (٧٩). وأنشئت المعامل في الكليات مع أساتذة للفيزياء التجريبية، وفتحت المدارس الفنية والحربية في باريس والأقاليم. وكانت ثمة تحذيرات كثيرة بأن خطة الدراسة الجديدة ستعمل على تحسين العقول لا الأخلاق. وقد تضعف الفضيلة والانضباط وتؤدى إلى الثورة (٨٠).
ومهما يكن من أمر فإن الفلاسفة بنوا آمالهم للمستقبل على إصلاح التعليم. إنهم بصفة عامة اعتقدوا بأن الإنسان خير طيب بالطبيعة، وأن بعض انحرافات زائفة أو شريرة كهنوتية أو سياسية هي التي أفسدته، وكل ما ينبغي عليه أن يفعله هو أن يطهر نفسه من الخداع والبدع ويعود إلى "الطبيعة" التي لم يحددها أحد بعد تحديداً مرضياً. وهذا كما سنرى كان لب الموضوع عند روسو. وقد لحظنا إيمان هلفشيوس "بأن التعليم يمكن أن يغير كل شيء"(٨١). وحتى فولتير المتشكك نفسه ذهب في بعض الحالات إلى أننا جنس من القردة يمكن أن يتعلم ان يتصرف تصرفاً عقلانياً أو غير عقلاني (٨٢). وأصبح الإيمان بإمكانات التقدم لا حدود لها عن طريق تحسين التعليم والتوسع فيه أحد التعاليم الهامة في الديانة الجديدة. إن السماء واليوتوبيا هما الدلوان المتنافسان اللذان يحومان حول بئر المصير والقدر فإذا هبط أحدهما صعد الآخر، والأمل يرفع الواحد منهما أو الآخر إلى أعلى كل بدوره. وربما إذا صعد كلا الدلوين خالياً وهنت المدنية وبدأت تفنى.
وفي ١١ ديسمبر ١٧٥٠ صاغ ترجو العقيدة الجديدة في محاضرة في السوربون بعنوان "الخطوات المتعاقبة إلى الأمام في الذهن البشري":