للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي رحلة ثالثة من هذه الرحلات حملته ذكرى هذا الضرب على أن يقرر ألا يعود إطلاقاً فمضى قدماً إلى كونفنيون في سافوي الكاثوليكية، على ستة أميال من بلدته، وهو لم يبلغ بعد السادسة عشرة (١٥ مارس ١٧٢٨) لا نقود معه ولا ثياب سوى ما يحمله على ظهره.

هناك طرق باب قسيس القرية الكاثوليكي الأب بنوا ديونفير، ولعله سمع أن هذا الكاهن الشيخ تواق لهداية الجنيفيين الشريدين، فهو يقدم لهم الطعام الطيب عملاً بالنظرية القائلة أن المعدة الممتلئة تعين على التفكير المستقيم. وقد قدم لجان-جاك غذاءً طيباً، وقال له "اذهب إلى آنسي، حيث تجد سيدة صالحة خيرة يتيح لها كرم الملك أن تحول النفوس عن تلك الخطايا التي أقلعت عنها لحسن الحظ" (١٦). ويضيف روسو أن هذه السيدة هي "مدام دفاران، التي اهتدت إلى الكثلكة مؤخراً، والتي رتب القساوسة أن يبعثوا إليها بأولئك التعساء المستعدين لبيع عقيدته، وكانت إلى حد ما مضطرة إلى أن تشارك هؤلاء معاشاً قدره ألفا فرنك أنعم بها عليها ملك سردانيا". ورأى الفتى الشريد أن شطراً من ذلك المعاش قد يستأهل تغيير العقيدة. وبعد ثلاثة أيام، في آنسي، مثل أمام مدام فرانسوا-لويز دلاتور، بارونة فاران.

كانت في التاسعة والعشرين، امرأة حلوة، كيسة، دمثة، سمحة جذابة الملبس، "ما رأيت وجهاً أجل ولا جيداً أبدع، ولا ذراعين مليحتين أروع تكويناً" (١٧). وكانت في مجموعها أبلغ حجة تناصر الكاثوليكية رآها روسو على الإطلاق. ولدت يفيفي بأسرة طيبة، وتزوجت وهي صغيرة جداً من المسيو (البارون فيما بعد) دفاران اللوزاني وبعد سنوات من التنافر الأليم تركته، وعبرت البحيرة إلى سافوي، ونالت حماية الملك فكتور أمادو، وكان يومها في إفيان. وبعد أن نزلت آنسي، قبلت اعتناق الكاثوليكية، معتقدة أنها لو أدت شعائرها الدينية على الوجه الصحيح لغفر الله لها غرامياتها التي تقع فيها بين الحين والحين،