ثم إنها لم تستطع أن تصدق أن يسوع الرقيق القلب سيقذف بالرجال-فما بالك بامرأة جميلة-في النار الأبدية (١٨).
وكان يطيب لجان-جاك أن يمكث معها لولا أنها كانت مشغولة. فنفحته ببعض المال، وأمرته بأن يمضي إلى تورين ويتلقى التعليم في "نزل الروح المقدس" وقد استقبل هناك في ١٢ إبريل ١٧٢٨، وفي ٢١ إبريل عمد في المذهب الكاثوليكي الروماني. وحين استعاد ذكرى هذه الواقعة بعد أربعة وثلاثين عاماً-وقبل عودته إلى البروتستانتية بثماني سنوات-كتب يصف في رعب تجربته في النزل، بما في ذلك محاولة للاعتداء على عفته من زميل مغربي حديث الاهتداء؛ وقد خيل إليه أن موقفه من اعتناق الكاثوليكية كان موقف النفور، والخزي، والتسويف الطويل. ولكن الظاهر أنه تكيف مع الظروف التي وجدها في النزل لأنه مكث هناك دون إكراه أكثر من شهرين بعد أن قبل في كنيسة روما (١٩).
ثم ترك النزل في يوليو، مسلحاً بستة وعشرين فرنكاً. وبعد أن أنفق أياماً في مشاهدة معالم المدينة وجد عملاً في متجر جذبه إليه جمال السيدة الواقفة خلف منضدته. ووقع في غرامها للتو والساعة، وما لبث أن جفا أمامها وبذل لها عهداً بالوفاء مدى الحياة. وابتسمت مدام بازيل، ولكنه لم تسمح له بأن يتجاوز يدها، ثم أن زوجها كان وشيك الوصول في أية لحظة. يقول روسو "إن عدم توفيقي مع النساء نشأ دائماً عن إفراطي في حبهن"(٢٠) ولكن كان في فطرته أن يجد في التأمل لذة أعظم مما يجد في الإشباع وقد فرج عن ضيقه بتلك "التكملة الخطرة التي تخدع الطبيعة وتنقذ الفتيان، الذين على شاكلتي مزاجاً، من اضطرابات كثيرة، ولكن على حساب صحتهم، وقوتهم، وأحياناً حياتهم"(٢١).
ولعل هذه العادة، التي تفاقمت حماها نتيجة النواهي المرهبة، لعبت دوراً خفياً في زيادة نزقه، وأهامه الرومانسية، وشعوره بالقلق في المجتمع، وحبه للوحدة. وهنا نجد "الاعترافات" تتوخى صراحة لم يسبق لها نظير.