للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحماقات"، وقاطعه روسو قائلاً "سيدي، سأبرح الحجرة إن زدت كلمة واحدة". والواقع أنه كان قد قام عن كرسيه وكان يفكر جدياً في الهروب لولا أن أعلن عن قدوم الأمير (١٠٠).

ونسي الجميع موضوع الجدل. وفي رواية وردت في مذكرات مدام ديينيه، أن روسو قال لها أن هؤلاء الكفرة يستحقون النار الأبدية (١٠١).

وجدد روسو الحرب على الحضارة في مقدمة مسرحيته الهزلية "نارسيس"، التي مثلتها فرقة الكوميدي فرانسيز في ١٨ ديسمبر ١٧٥٢ "أن الميل إلى الآداب يكون دائماً إيذاناً في الشعب ببداية فساد سرعان ما يعجل به هذا الميل. ولا ينبعث هذا الميل في أمة إلا من منبعين خبيثين … التبطل، وشهوة الامتياز (١٠٢) ". ومع ذلك استمر حتى عام ١٧٥٤ يختلف إلى "مجمع" دولباخ المؤلف من أحرار الفكر. هناك استمع مارمونتيل، وجريم، وسان-لامبير، وغيرهم إلى الأبيه بتي يقرأ مأساة من تأليفه، فوجدوها عملاً تافهاً يدعو للرثاء، ولكنهم أطروها إطراءً جميلاً، وكان الأديب قد ثمل بالخمر إلى حد أعماه عن إدراك ما في ثنائهم من تهكم، فانتفخت أوداجه رضى وغبطة، أما روسو الذي غاظه نفاق أصحابه فقد انتقض على الأب بقريع لا هوادة فيه، فقال له "أن تمثيليتك لا قيمة لها … وكل هؤلاء السادة يسخرون منك، فانصرف وعد لتكون قسيساً في قريتك (١٠٣) ". ووبخ دولباخ روسو على فظاظته، فانصرف غاضباً وانقطع عن الجماعة عاماً.

لقد دمر رفاقه كثلكته، ولكنهم لم يدمروا إيمانه بمقومات المسيحية. وعادت بروتستانتية صباه تطفو في الوقت الذي تغوص فيه كثلكته. فتصور جنيف صباه كاملة مبرأة من العيوب، وخيل إليه أنه سيكون فيها أكثر راحة واطمئناناً من في بلد أضنى روحه كباريس. ولو عاد إلى جنيف لاكتسب من جديد لقباً يبعث على الفخر، هو لقب المواطن، ومعه الامتيازات الخاصة التي ينطوي عليها هذا اللقب. وعليه ففي يونيو سنة ١٧٥٤ استقل مركبة البريد إلى شامبري وهناك وجد مدام دفاران