بأقل قدر من الإكراه والتكلفة (١١٩). وهكذا نشأ هذا الوضع الذي نرى فيه "القلة المميزة تكتظ بالكماليات، على حين تفتقر الجماهير الجائعة إلى أبسط ضروريات الحياة (١٢٠) ". يضاف إلى هذه المظالم الأساسية طائفة أخرى متفرعة عنها" كالوسائل المخزية التي يمارسها الناس أحياناً لمنع ولادة البشر، والإجهاض، وقتل الأطفال، وخصي الذكور، والانحرافات الجنسية، وترك الكثيرين من الأطفال الذين يقعون فريسة لإملاق أبويهم في العراء أو قتلهم (١٢١) ". هذه الكوارث كلها مفسدة مضعفة، والحيوانات لا تعرفها؛ وهي تجعل "الحضارة" سرطاناً ينهش جسد البشرية. وعلى نقيض هذا الفساد والانحراف المتعدد الأشكال، نجد حياة المتوحشين صحيحة، سليمة، رحيمة،. أينبغي أن نعود إذن إلى الهمجية؟ "أيجب أن تلغى المجتمعات إطلاقاً؟ وتبطل عبارة "مُلكي" و"مُلكك"، ونعود إلى الغابة لنحيا بين السباع؟ " لم يعد هذا في وسعنا، فسم الحضارة يسري في دمائنا، ولن ننتزعه بالهروب إلى الغابات، والقضاء على الملكية الخاصة، والحكومة؛ والقانون، معناه الزج بالناس في فوضى هي شر من الحضارة. "لن يستطيع الإنسان العودة أبداً إلى زمان البراءة والمساواة متى تركه (١٢٢) ". وقد تبرر الثورة، لأن القوة قد تطيح عدلاً بما أقامته القوة وساندته (١٢٣)، ولكن الثورة ليست مستحبة الآن. وخير ما نستطيعه هو أن ندرس الأناجيل من جديد، ونحاول تطهير دوافعنا الشريرة بممارسة أخلاق المسيحية (١٢٤). في استطاعتنا أن نجعل من العطف الفطري على إخواننا البشر أساساً للأخلاق والنظام الاجتماعي. ونستطيع العزم على أن نحيا حياة أقل تعقيداً، نقنع فيها بالضروريات، ونحتقر أسباب البذخ والترف، ونجتذب سباق "التقدم" وحماه. نستطيع أن ننبذ ما في الحضارة من ضروب الزيف، والنفاق، والفساد، واحداً بعد الآخر، ونعيد تشكيل أنفسنا على الأمانة الطبيعية، والإخلاص. نستطيع أن نترك ضوضاء مدننا وصخبها، وأحقادها، وفسقها، وجرائمها، ونذهب لنعيش في بساطة الريف ومسئوليات