أربعة أيام وصول المون من درسن. وفجأة، في الخامسة من صباح ١٤ أكتوبر ١٧٥٨، هاجم جناح البوسيين الأيمن، وكان فردريك قد اطمأن على أنه سيتجنب المبادأة. وتخفت حركة النمساويين وراء ضباب كثيف، وأخذ البروسيون على غرة وهم نيام فعلاً، فلم يتسع الوقت لتكوين الخطوط التكتيكية التي رسمها فردريك. وعرض فردريك نفسه للخطر في تهور وهو يحاول استعادة النظام، فوفق في ذلك، ولكن بعد أن فات أوان إصلاح الموقف. وبعد خمس ساعات من فتال اشتبك فيه ٣٧. ٠٠٠ بيدق مع ٩٠. ٠٠٠، أعطى الإشارة للتقهقر، تاركاً ٩. ٤٥٠ رجلَا على ساحة المعركة مقابل ٧. ٥٩٠ خسرهم النمساويون.
وعاد يفكر في الانتحار. فأمام قائد كفء كداون يقود النمساويين، وأمام قائد كفء كسالتيوكوف يحشد جيشاً روسياً جديداً، وأمام قواته المضمحلة عدداً، ونوعاً ونظاماً، في الوقت الذي يستطيع فيه أعداؤه تعويض أي خسارة، أمام هذا كله وضح أن لا أمل في انتصار البروسيين إلا بمعجزة، وفردريك لا يؤمن بالمعجزات، ففي غداة هوخكيرش اطلع قارئه ديات على "دفاع عن الانتحار" كان قد كتبه، وقال له "في استطاعتي أن أختم المأساة حين أشاء"(٤٩). في ذلك اليوم (١٥ أكتوبر ١٧٥٨) ماتت فلهلميني تاركة تعليمات بأن توضع خطابات أخيها على صدرها في قبرها (٥٠). وناشد فردريك فولتير أن يكتب شيئاً في ذكراها، فاستجاب فولتير، ولكن قصيدته "للنفس الباسلة النقية"(٥١) لم تستطع أن ترقى إلى مستوى الحرارة والبساطة اللتين نجدهما في رثاء الملك الذي ضمنه "تاريخ حرب السنين السبع" قال:
"إن طيبة قلبها، وأريحيتها وسماحتها، ونبل روحها وسموها، وحلاوة طبعها، جمعت فيها مواهب العقل اللامعة مع أساس من الفضيلة المكينة. وكان يربط الملك (وقد استعمل فردريك لفظ الغائب) بهذه الشقيقة الفاضلة أرق صداقة وأثبتها وقد تكونت هذه الروابط في بواكير صباهما، ثم وثق بينهما اشتراكهما في تربية واحدة وعواطف واحدة، وأصبحت هذه العواطف لا تقبل الانفصام بفضل وفائهما المتبادل في كل امتحان يبتليان به"(٥٢).