قريبة من الإفلاس دفعتها خطوة أخرى إلى الانهيار. وأما إنجلترا فكانت النتائج بالنسبة لها أعظم حتى مما قدر زعماؤها، السيطرة على البحار، والسيطرة على عالم المستعمرات، وتأسيس إمبراطورية عظيمة، وبداية ١٨٢ سنة من السيادة في العالم. وأما بروسيا فخسرت خراب أراضيها وتدمير ثلاثة عشر ألف منزل فيها، وإحراق مائة مدينة وقرية سويت بالتراب، واقتلاع آلاف الأسر من مواطنها، ومات ١٨. ٠٠٠ بروسي (حسب تقدير فردريك)(٦٨) في المعارك أو المعسكرات أو الأسر، ومات حتى أكثر من هؤلاء لنقص الدواء أو الطعام، وفي بعض المناطق لم يبقَ غير النساء والشيوخ ليزرعوا الحقول، وهبط السكان من ٤. ٥٠٠. ٠٠٠ في ١٧٥٦، إلى ٤. ٠٠٠. ٠٠٠ في ١٧٦٣.
وغدا فردريك الآن بطل ألمانيا بأسرها (عدا سكسونيا!) فدخل برلين دخول الظافر بعد غياب ستة أعوام. وتوهجت المدينة بالأضواء ترحيباً به، وأشادت به منقذاً لها، وذلك رغم عوزها وفجيعة كل أسرة فيها. ولانت روح هذا المحارب القديم التي قدت من فولاذ فهتف "عاش شعبي العزيز طويلاً! عاش أبنائي طويلاً"(٦٩). لقد كان في قدرته أن يتواضع؛ وفي الساعة التي تملقه فيها الجميع لم ينسَ الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها قائداً-مع أنه أعظم القواد الذين أنجبهم العصر الحديث باستثناء نابليون. ولم يغب عن بصره آلاف الشبان البروسيين الذين بذلوا دماءهم ثمناً لسيليزيا. ولقد بذل هو أيضاً الثمن، فشاخ قبل أوانه وهو بعد في الحادية والخمسين، واحدودب ظهره، وهزل وجهه وجسمه، وسقطت أسنانه، وشاب أحد مفرقيه، واضطربت أحشاؤه بالمغص، والإسهال، والبواسير (٧٠) وقال معقباً "إن أصلح مكان له الآن هو ملجأ للعجائز ذوي العلل المزمنة" وقد عمر ثلاثة وعشرين عاماً أخر، وحاول أن يكفر عن آثامه بحكم يتسم بالسلام والنظام.
أما أهم نتائج حرب السنين السبع من الناحية السياسية فهي ظهور الإمبراطورية البريطانية، وانبعاث بروسيا دولة من الطراز الأول، أما من الناحية الاقتصادية فهي التقدم صوب الرأسمالية الصناعية: فقد كانت