ولم يتوقع أهلها أن تعيش، ولكنها عمرت إلى الثمانين-وما هذا العمر المديد بالشيء الذي تغبط عليه دائماً بطلات المسرح. ولم يرَ أهلها أنها تستحق عناء التعليم، ولكنها تسللت إلى التياتر-فرانسيه، وسحرتها المناظر والخطب المسرحية، ولم تتغلب قط تماماً على الميل للخطابة حتى وهي في نشوة الحب. وأعلنت أنها ستحترف التمثيل، فهددتها أمها بأنها ستكسر ذراعيها ورجليها إن هي مضت في إنفاذ هذه النية الآثمة، (٢٦) ولكنها أصرت، وانضمت إلى فرقة تمثيلية متنقلة. وسرعان ما تخلقت بأخلاق مهنتها. "إنني بفضل موهبتي، وجمال، وسهولة الاتصال بي رأيت عدداً هائلاً من الرجال يركعون تحت قدمي، بحيث استحال عليّ وقد أوتيت قلباً رقيقاً بطبعه … أن أمتنع عن الحب"(٢٧).
فلما عادت إلى باريس فتنت المسيو دلا بوبلنيير، وقد استمتع بها ثم استخدم نفوذه ليحصل لها على مكان في دار الأوبرا. وبعد أربعة شهور استطاعت دوقة شاتورو، خليلة الملك آنئذ: أن تدخلها فرقة الكوميدي فرانسيز. وطلبت إليها الفرقة أن تختار الدور الذي ستمثله أول مرة، متوقعة منها أن تجري على السنة المعهودة، فتختار دوراً صغيراً، ولكنها اقترحت أن تمثل دور فيدر، وعارضت الفرقة، ولكنها تركتها تنفذ مشيئتها، وتكللت مغامرتها بالنصر. وبعدها غدت نجم الأدوار المأساوية التي لم ينافسها فيها غير الآنسة دومنيل. وذاعت شهرتها بالفسق المقترن بشهوة الاقتناء. كانت ترفه عن لفيف من النبلاء؛ وتتقاضى منهم أجراً طيباً، وتجمع مكاسبها، ثم تعطي كثيراً منها لعشيقها المفضل الشفاليه دجوكور، الذي كان يحرر مقالات في الاقتصاد للموسوعة. كذلك دفعت ثمناً لملاطفة مارمونتل، الذي سنلتقي به عما قليل مؤلفاً لكتاب "الحكايات الخلقية". تأمل جانب المرأة في هذا الحب في خطابها له:"أممكن أنك لم تعرف أي معاناة سببتها لي (على غير عمد منك، ولكنني كابدتها رغم ذلك)، وأن هذه المعاناة ألزمتني الفراش ستة أسابيع وأنا في خطر كبير؟ لا أستطيع أن أصدق أنك كنت عليماً بهذا، وإلا لما ذهبت في صحبة بينما الناس جميعاً يعرفون ما كنت فيه (٢٨) ". ومع ذلك ظلت هي ومارمونتيل صديقين حميمين ثلاثين عاماً.