قدمت لك مسكناً حتى تجدي مكاناً مناسباً لك. وستعاملين بأدب، بل بمجاملة، وفي وسعك أن تعتمدي علي في أن أحداً لم ينال من كرامتك".
على أن .... هناك نقطة أخرى علي أن أشرحها لك. فأنا لا أطيق أي خداع، ولو كان مكراً طفيفاً جداً، إن كنت تخلطينه بسلوكك. وأنا بطبعي شكاكة، اشتبه في كل من أكشف فيهم المكر إلى أن أفقد كل ثقة فيهم. إن لي صديقين حميمين-فورمون ودالامبير، أحبهما حباً جماً، لا للطفهما وصداقتهما بقدر ما أحبهما لصدقهما المطلق. عليك إذن يا مليكتي أن تعتزمي العيش معي بغاية الصدق والإخلاص … قد تظنين أنني أعظك، ولكني أؤكد لك أنني لا أفعل هذا أبداً إلا فيما يتصل بالإخلاص. ففي هذا لا تأخذني رحمة بأحد (٩٤).
وفي إبيريل ١٧٥٤ أتت جولى لتسكن مع مدام دوفان، أولاً فوق سقيفة للعربات، ثم في حجرة فوق شقة المركيزة في دير سان جوزيف. وقرر لها دوق أورليان معاشاً قدره ٦٩٢ جنيهاً (٩٥)، وربما بناء على اقتراح المدام. وكانت تعين المضيفة المكفوفة على استقبال ضيوفها وإجلاسهم في ندواتها، وأضفت الأشراف على أعمال الندوة بلطف سلوكها وسرعة بديهتها ونضارة شبابها وتواضعه. ولم تكن ذات جمال بارع، ولكن عينيها السوداوين المتألقتين وشعرها البني الغزير ألفا مزيجاً فتاناً. فكاد يقع في غرامها نصف الرجال الذين اختلفوا إلى الندوة، حتى فارس المدام الأمين العجوز شارل-جان فرانسوا اينو، رئيس محكمة العرائض، صاحب الأعوام السبعين، المتوجع أبداً، الثمل أبداً بالكثير من النبيذ. وتقبلت جولي مجاملاتهم بما يجب من عمد الاكتراث، ولك نرغم ذلك فإن المركيز الشديدة الحساسية في عماها لابد قد شعرت بأن بعض العبادة قد انتقلت من عرشها. وربما دخل في الأمر عنصر جديد: ذلك أن المرأة المسنة كانت قد بدأت تحب الشابة جباً لا يرضى بشريك له. وكانت كلتاهما تلتهب بالعاطفة المشوبة، رغم أن المركيزة أوتيت عقلاً من أكثر عقول العصر رجاحة ونفاذاً.
ولم يكن مناص لجولي من أن تحب. أولاً إيرلندياً شاباً لا نعرف عنه