في الأرستقراطية آراء مختلطة، وواضح أنه فضل نوعها الإنجليزي (٦٩). وقد قبل النظام الملكي باعتباره الشكل الطبيعي للحكومة "لم يحكم الملوك الأرض كلها تقريباً؟ … الجواب الأمين هو: لأن الناس نادراً ما يكونون جديرين بحكم أنفسهم"(٧٠). وقد سخر من حق الملوك الإلهي وأرجعهم هم والدولة إلى الغزو "إن القبيلة تختار زعيماً ليقود حملات السلب والنهب التي تشنها؛ وهي تعود نفسها الطاعة، وهو يعود نفسه إصدار الأوامر لها، وفي اعتقادي أن هذا أصل الملكية"(٧١). فهل هذا طبيعي؟ أنظر إلى حوش المزرعة:
"إن حوش المزرعة يرينا أكمل تمثيل للملكية. فما من ملك يضارع الديك. ذلك أنه إن مشى شامخاً ضارياً وسط قطيعه فما ذلك لغروره، لأنه إذا زحف العدو فهو لا يكتفي بإصدار الأمر لرعيته أن تخرج وتقتل فداءه .... إنما هو يذهب بشخصه، وينظم جنده من خلفه، ويقاتل إلى آخر نسمة. فإذا انتصر فهو الذي يترنم بمسبحة الشكر … وإذا صح أن النحل تحكمها ملكة يخطب ودها جميع رعاياها، فتلك حكومة أعظم كمالاً حتى من حكومة الديك"(٧٢).
واستطاع لعيشه في برلين ثم في جنيف أن يدرس الملكية و"اللاملكية" في ممارستها الحية. وكان كغيره من جماعة الفلاسفة متحيزاً لأن ملوكاً عدة (فردريك الثاني، وبطرس الثالث، وكاترين الثانية) وبعض الوزراء (شوازيل، وأراندا، وتانوتشي، وبومبال) استمعوا إلى نداءات الإصلاح، أو منحوا المعاشات للفلاسفة. وقد بدا في عصر بلغ فيه الفلاح الروسي منتهى البدائية، وغلبت الأمية على جماهير الشعب في كل بلد، وأعجزها الإرهاب عن التفكير، إن من السخف اقتراح حكم الشعوب، والواقع أن "الديمقراطيات في سويسرا وهولندا كانت أولجركيات. والجماهير هي التي أحبت أساطير الدين ومراسمه القديمة، ووقفت كأنها جيش عرمرم في طريق الحرية والتطور الفكريين. وليس هناك سوى قوة واحدة لها من القدرة ما يمكنها من مقاومة الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا، كما قاومت بنجاح الكنائس البروتستانتية في إنجلترا وهولندا وألمانيا وتلك هي الدولة. وبفضل الحكومات الملكية القائمة في فرنسا وألمانيا وروسيا-بفضل هذه فقط يستطيع الفلاسفة أن يطعموا في