الفوز في كفاحهم للخرافة، والتعصب، والاضطهاد، واللاهوت الطفلي. فهم لا يستطيعون توقع التأييد من "البرلمانات" لأنها تنافس الكنيسة وتبرز الملك في الظلامية، والرقابة، وعدم التسامح. ولكن أنظر ما فعله هنري الملاح للبرتغال، وما فعله هنري الرابع لفرنسا، أو بطرس الأكبر لروسيا أو فردريك الأكبر لبروسيا. "ما من عمل جليل تقريباً عمل في العالم إلا بفضل عبقرية وحزم رجل فرد كافح أهواء الجماهير"(٧٣). ومن ثم كان جماعة الفلاسفة يتمنون تربع الملوك المستنيرين على العروش. كتب فولتير "ميروب" يقول "إن الفضيلة المتربعة على العرش هي أروع أعمال السماء"(٧٤)(١) وسياسة فولتير ينبعث بعضها من ظنه بأن من الناس عدداً كبيراً لا قدرة لهم على هضم التعليم حتى إن قدم لهم. وقد أشار إلى "الشطر المفكر من النوع الإنساني-أي الجزء على مائة ألف منهم"(٧٦)، وكان يخشى من عدم النضج العقلي وسرعة الانفعال العاطفي للناس عموماً "حين تشارك الجماهير في التفكير يضيع كل شيء"(٧٧). وهكذا ظل حتى سني شيخوخته لا يتعاطف تعاطفاً يذكر مع الديمقراطية. فلما سأله كازانوفا "أتود أن ترى الشعب سيد نفسه؟ " أجابه "معاذ الله! "(٧٨) وكتب إلى فردريك "حين رجوتك أن تكون الباعث لفنون اليونان الجميلة، لم يبلغ رجائي الحد الذي أطلب إليك فيه إعادة الديمقراطية الأثينية. فأنا لا أحب حكم الرعاع"(٧٩). وقد اتفق وروسو على أن "الديمقراطية لا تناسب غير البلاد الصغيرة"، ولكنه أضاف قيوداً أخرى" وغير تلك التي تنعم بموقع ملائم … والتي يكفل لها موقعها الحرية، والتي في مصلحة جيرانها المحافظة عليها". (وكان يعجب بالجمهوريتين الهولندية-والسويسرية)، ولكن خامرت إعجابه بعض الشكوك:
"إن تذكرتم أن الهولنديين أكلوا على السفود قلب الأخوين دي ويت،
(١) علق ميشيله بفقرة ظريفة على هذا الدفاع عن الملكية فقال "إن في أحلام جماعة الفلاسفة والاقتصاديين-رجال كفولتير وطورجو-أن يحدثوا الثورة-أن يحققوا سعادة النوع الإنساني- على يد الملوك. وليس أغرب من هذا المعبود يتنازعه الفريقان، تجذبه الفلاسفة يمنة، والقساوسة يسرة. فمن سيظفر به؟ النساء" (٧٥).