وإن تذكرتم … إن الجمهوري يوحنا كلفني … بعد أن كتب أننا ينبغي ألا نضطهد إنساناً ولو أنكر الثالوث، أمر بحرق أسباني خالفه في الرأي حول الثالوث فأحرقه حياً على حطب أخضر (بطيء الاحتراق)، خلصتم حقاً إلى أنه ليس في الجمهوريات فضيلة أعظم مما في الملكيات" (٨١).
على أنه بعد كل هذه التصريحات المعارضة للديمقراطية، نجده يؤيد الطبقة الوسطى الجنيفية تأييداً نشيطاً ضد الأشراف (١٧٦٣) ووطنيي جنيف المحرومين من الحقوق المدنية ضد الأرستقراطية والبرجوازية (١٧٦٦)، ولكن لنرجئ هذه القصة إلى موضعها المناسب.
والواقع أن فولتير أخذ يتحول إلى مزيد من الراديكالية فيما يبدو كلما تقدم به العمر. ففي ١٧٦٨ أصدر قصته "الرجل ذو الأربعين إيكو" فطبع الكتاب عشر طبعات في سنته الأولى، ولكن برلمان باريس أحرقه وزج بالطابع في سفن تشغيل العبيد، ولم يكن مرجع هذه الصراحة تلك السخرية التي سخت بها القصة على جماعة الفيزوقراطيين، بل تصويرها الحي للفلاحين الذين أفقرتهم الضرائب، والرهبان الذين يحيون حياة التبطل والترف على أملاك يفلحها عبيد الأرض. وفي كتيب آخر نشره عام ١٧٦٨ وسماه الألف باء (وقد حرص فولتير أشد الحرص على إنكاره) أجرى هذه العبارات على لسان "مسيوب".
وفي وسعي أن أتكيف بسهولة مع الحكومة الديمقراطية .... فكل الملاك على نفس الأرض لهم نفس الحق في حفظ النظام على تلك الأرض. إني أحب أن أرى رجالاً أحراراً يضعون القوانين التي يعيشون في ظلها .... ويطيب للي أن يرفع بنائي، ونجاري، وحدادي، أولئك الذين أعانوني على بناء مسكني، وجاري المزارع، وصديقي الصانع-أن يرفعوا أنفسهم فوق حرفهم، ويعرفوا الصالح العام خيراً مما يعرفه الموظف التركي الشديد الوقاحة. فليس في الديمقراطية ما يدعو عاملاً أو صانعاً إلى الخوف من الإزعاج أو الاحتقار … فأن يكون المرء حراً، بين أنداد لا أكثر، هو الحياة الطبيعية الصادقة للإنسان،