للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"ما من دعوة أكذب من تهمة البخل التي يرمى بها … فلم يكن للبخل مكان في بيته. وما عرفت رجلاً يستطيع خدمه أن يسرقوه بسهولة أكثر لقد كان ضنيناً بوقته فقط … وكان له من أمر المال المبادئ التي يهتدي بها في أمر الوقت؛ فمن الضروري في رأيه أن تقتصد لكي تسخو فيه" (١١٤).

وتكشف رسائله عن بعض الهبات الكثيرة التي وزعها، دون أن يعلن عن اسمه عادة، لا على أصدقائه ومعارفه فحسب، بل حتى على أشخاص لم يرهم قط (١١٥). وسمح لباعة الكتب أن يحتفظوا بالربح الذي يجنونه من كتبه. وقد رأيناه يسدي العون للآنسة كورنبي؛ وسنراه يساعد الآنسة فاريكور. ورأيناه يعين فوفنارج ومارمونتيل؛ كذلك فعل مع لاهارب، الذي فشل مسرحياً قبل أن يغدو أقوى نقاد فرنسا أثراً، فطلب فولتير أن يعطي نصف معاشه الحكومة البالغ ألفي فرنك للاهارب دون أن ينبئه بحقيقة المعطي (١١٦). كتب مارمونتيل "يعلم الجميع مبلغ العطف الذي كان يحبوا به الشبان الذين يبدون أي موهبة للشعر" (١١٧).

وإذا كان فولتير الواعي بضآلة جسيمة، لم يؤتَ شجاعة بدنية تذكر (إذا ترك الكابتين بورجار يضربه بالعصا عام ١٧٢٢) (١١٨)، فإنه أوتي من الشجاعة الأدبية قدراً مذهلاً (فقد هاجم أقوى مؤسسة في التاريخ، وهي الكنيسة الكاثوليكية الرومانية). وإذا كان عنيفاً في الخصومة، فإنه كان سريع العفو عن خصومه الذين يسعون إلى الصلح معه، "فكان غضبه يزول لأول رجاء" (١١٩). وكان يغدق الحب على كل من طلبه، وكان وفياً لأصدقائه. فلما افترق عن فاجنيير بعد عشرة أربعة وعشرين عاماً "بكى كالأطفال" (١٢٠). أما عن فضيلته في أمر الجنس فقد كان فوق مستوى جيله مع مدام دوشاتليه، ودون ذلك المستوى مع ابنة أخته. وكان متسامحاً مع الفوضى الجنسية، ولكنه يغضب غضبة مضرية على الظلم. والتعصب، والاضطهاد، والنفاق، وفظاعات قانون العقوبات. وقد عرف الفضيلة بأنها "البر بالبش". أما فيما عدا ذلك فقد كان يسخر من المحظورات، ويستمتع بالخمر، والنساء، والغناء، في قصد فلسفي. وفي أقصوصة سماها "بابابيك"