قد انطلق إلى ساحة القتال. وفي صيف ١٧٥٦ كانت الكونتيسة قد استأجرت قصر أوبون الريفي، على نحو ميلين ونصف من الإيرميتاج. وكتب لها سان-لامبير أن روسو على رحلة جواد قصيرة منها، واقترح عليها أن تسري عن وحدتها بزيارة الكاتب الشهير الذي أوقف الحضارة كلها موقف الدفاع عن نفسها. فذهبت في مركبة، فلما انغرزت في الوحل واصلت الرحلة سيراً، فوصلت وحذاؤها وثوبها ملطخان. "وجعلت المكان يدوي بضحكها الذي شاركتها فيه من كل قلبي"(٢٢). وأعطتها تريز تغيرة ملابس. ومكثت المركيزة لتتناول "وجبة ريفية خفيفة" وكانت في السابعة والعشرين، وروسو في الخامسة والأربعين. ولم تكن باهر الجمال سواء في طلعتها أو قوامها، ولكن رقتها، وروحها المرحة أثارت حياته المظلمة. وفي العصر التالي أرسلت إليه رسالة لطيفة، مخاطبة إياه باللقب الذي اتخذه بعد أن استوطن جنيف ثانية:
"أيها المواطن العزيز، أعيد إليك الثياب التي تفضلت بإعارتي إياها. وقد وجدت عند رجوعي طريقاً أفضل كثيراً، ويجب أن أخبرك بمبلغ سروري بهذا، لأنه ييسر لي العودة إلى زيارتك. ويؤسفني أنني لم أمكث إلا قليلاً … وسيكون أسفي أقل إذا كنت أكثر حرية، واثقة دائماً من أنني لا أزعجك. وداعاً يا مواطني العزيز، وأرجوك أن تشكر للآنسة ليفاسير كل ما أبدته نحوي من عطف"(٢٣).
وبعد أيام عاد سان-لامبير من الجبهة. وفي إبريل استدعي من جديد للخدمة العسكرية، وما لبثت الكونتيسة المرحة أن خطرت إلى الإيرميتاج على صهوة جوادها ثياب الرجال. وصدم زيها روسو، ولكنه ما لبث أن أحس أنه يحتوي امرأة فاتنة. فنطلق مع ضيفه سيراً في الغابات تاركاً تريز لواجباتها المنزلية وأخبرته مدام دودتو عن شدة محبتها لسان لامبير، وفي مايو رد زيارتها، فذهب إلى أوبون في الوقت الذي تكون فيه "وحيدة تماماً" كما قالت له. يقول "كنت أحياناً في رحلاتي المتكررة لأوبون أنام هناك …