ولقد أحدثت البوذية انقلاباً في شئون الدين والفن في بلاد الصين لا يقل في عمقه ومداه عن الانقلاب الذي أحدثته المسيحية في ثقافة البحر الأبيض المتوسط وفنونه. نعم إن الكنفوشية احتفظت بسلطانها السياسي في البلاد، ولكن البوذية امتزجت بالدّوية فأصبحت السلطة المهيمنة على الفن، وأنشأت بين الصينيين وبين البواعث والرموز والأساليب والأنماط الهندية صلات ذات أثر قوي.
وكان أعظم العباقرة من رجال مدرسة التصوير الصينية البوذية جوو - كاي -جيه، وهو رجل بلغ من قوة شخصيته وصفاته الفذة أن اجتمعت حوله أقاصيص وأساطير كثيرة. منها أنه أحب فتاة تسكن منزلاً يجاور منزله، فلما عرض عليها أن تتزوج به أبت لجهلها بما كانت تخبئه له الأيام من شهرة عظيمة، فما كان منه إلا أن رسم صورة لها على أحد الجدران وأنفذ شوكة في قلبها، فأشرفت الفتاة على الموت. ثم تقدم إليها مرة أخري فرضيت به، فرفع الشوكة عن صورتها فشفيت الفتاة من مرضها. ولما أراد البوذيون أن يجمعوا المال لتشييد هيكل في نانكنج وعد أن يمدهم بمليون كاش (١)، وسخرت الصين كلها من هذا الوعد، لأن جوو قد بلغ من الفقر ما يبلغه الفنان.
فقال لهم:"اسمحوا لي أن استخدم أحد الجدران"، فلما وجد الجدار واستطاع أن ينفرد بنفسه عنده رسم عليه صورة القديس البوذي أو إيمالا-كيرتي. ولما أتم الصورة دعا الكهنة، وأخذ يصف لهم طريقة جمع المال المطلوب فقال:"عليكم أن تطلبوا في اليوم الأول مائة ألف كاش" ممن يريد أن يدخل ليرى الصورة، "وأن تطلبوا في اليوم الثاني خمسين ألفاً. أما في اليوم الثالث فدعوا الزائرين أحراراً يتبرعون بما يشاءون". ففعلوا ما أمرهم به وجمعوا بهذه الطريقة مليون كاش (٦٩). ورسم جو سلسلة طويلة من الصور البوذية كما رسم صوراً
(١) عملة صينية صغيرة قيمتها نحو ١ slash ٩ مليم (المترجم)