وتثبط الشر. ومحبة الذات عامة، ولكن في الإمكان تعديلها حتى لتدفع الإنسان إلى اقتحام الأخطار الداهمة حفاظاً على أسرته، أو وطنه، أو عرضه. فهناك غرائز اجتماعية تحفظ الأسرة والجماعة كما أن هناك غرائز أنانية تحفظ الفرد (٥٥). والرحمة قد تنبع من محبة الذات (كما يحدث حين نحب الأبوين الذين يغذواننا ويحمياننا)، ولكنها قد تؤتي ثماراً شتى في السلوك الاجتماعي والمعونة المتبادلة. ومن ثم فإن نوعاً من الضمير يبدو أنه عام وغريزي.
"ألقِ ببصركَ إلى كل أمة في الأرض، وأقرأ كل سفر من أسفار تاريخها، ففي جميع ألوان العبادة العجيبة القاسية هذه، وفي هذا التنوع المذهل من العادات والتقاليد، ستجد في كل مكان نفس الأفكار (الأساسية) أفكار الخير والشر … ففي أعماق قلوبنا مبدأ فطري للعدل والفضيلة نحكم بمقتضاه-رغم قواعدنا-على أفعالنا؛ أو أفعال غيرنا، أخير هي أم شر، وهذا المبدأ هو الذي نسميه الضمير"(٥٦).
ومن ثم ينطلق روسو في مناجاة سنجدها تتردد حرفياً تقريباً في كانت:
"إيه أيها الضمير! أيها الضمير! أيها الفطرة المقدسة، والصوت الخالد الآتي من السماء، الهادي الأمين لإنسان هو جاهل محدود حقاً، ولكنه ذكي حر؛ أيها القاضي المعصوم والفيصل بين الخير والشر، الذي يجعل الإنسان شبيهاً بالله، فيك يكمن سمو طبيعة الإنسان وفضيلة أفعاله، لست أجد في نفسي إذا انفصلت عنك شيئاً يرفعني فوق البهائم-لا شيء إلا امتياز مؤسف-هو قدرته على أن يهيم من خطأ إلى خطأ بمعونة ذكاء طليق من كل قيد وعقل لا يعرف له مبدأ (٥٧) ".
إذن فالتربية العقلية يجب ألا تبدأ إلا بعد تكوين الخلق الفاضل، ويسخر روسو من نصيحة لوك بمناقشة الأطفال منطقياً:
"إن الأطفال الذين كانوا يناقشون عقلياً باستمرار يبدون لي غاية في البلاهة. فالعقل هو آخر ما ينمو من قدرات الإنسان وأسماها-وأنت تريد أن تستخدمه لتدريب الطفل المبكر؟ وجعل الإنسان منطقياً هو الحجر الأعلى