للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في التربية الحسنة، ومع ذلك تريد أن تربي الطفل عن طريق عقله. إنك إذن تبدأ من الطرف الخطأ (٥٨) ".

كلا، بل يجب أن تؤجل التربية العقلية. "أبقِ ذهن الطفل (فكره) عاطلاً أطول ما تستطيع (٥٩) "، فإذا كانت له آراء قبل أن يبلغ الثانية عشرة فثق أنها ستكون سخيفة. ولا تزعجه في هذه السن بالعلم، بهذا سباق لا نهاية له، كل ما نكتشفه فيه إنما يزيدنا جهلاً وغروراً أحمق (٦٠). فدع تلميذك يتعلم حياة الطبيعة وأساليبها بالتجربة، دعه يستمتع بالنجوم دون الزعم بأنه يتتبع تاريخها.

ويمكن أن تبدأ التربية العقلية في الثانية عشرة، ويجوز لإميل أن يقرأ بعض الكتب. ويستطيع أن ينتقل من الطبيعة إلى الأدب بقراءة روبنسن كروزو، لأنها قصة رجل جاز-على جزيرة-بمختلف المراحل التي جاز بها الناس من الهمجية إلى المدنية. ولكن إميل لا يكون قد قرأ كتباً كثيرة حين يبلغ الثانية عشرة، وسيضرب صفحاً عن الصالونات والفلاسفة، ولن يكترث للفنون، لأن الجمال الحق الوحيد كائن في الطبيعة (٦١). ولن يصبح أبداً "موسيقياً، أو ممثلاً، أو مؤلفاً (٦٢) "، بل سيكون قد اكتسب مهارة كافية في حرفة ما ليكسب قوته بعمل يديه أن اقتضته الظروف يوماً ما (وبعد ثلاثين عاماً سيندم الكثير من المهاجرين الذين لا حرفة لهم على أنهم سخروا كما سخر فولتير من النجار النبيل) (٦٣). على أية حال يجب أن يخدم إميل المجتمع بيديه أو بعقله (رغم أنه وارث لثروة متواضعة)، "فالرجل الذي يأكل وهو عاطل ما لم يكسبه بجهده ليس إلا لصاً (٦٤) ".

ب - ديانته

وأخيراً نستطيع أن نحدث إميل عن الله إذا بلغ الثامنة عشرة:

"إني عليم أن الكثير من قرائي سيدهشهم أن يجدوني متتبعاً سير تلميذي خلال سنيه الأولى دون أن أحدثه في الدين. إنه وهو في الخامسة عشرة لن يعرف حتى أن له نفساً، وقد لا يكون في الثامنة عشرة مهيئاً بعد للإلمام