للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بهذه الحقيقة .... ولو كان عليّ أن أصور الغباوة في أفجع أشكالها لصورت معلماً متحذلقاً يلقن التعليم الديني للأطفال، ولو أردت أن أخرج طفل عن طوره لطلبت إليه أن يشرح ما تعلمه في دروسه الدينية … لا شك أننا يجب أن لا نضيع لحظة واحدة إن وجب أن نكون مستحقين للخلاص الأدبي، ولكن إذا كان تكرار ألفاظ معينة يكفي للحصول على هذا الخلاص فلست أرى لم لا نملأ السماء بالزرازير العقاعق كما نملؤها بالأطفال (٦٥) ".

ثم جرد روسو أمضى سهامه على جماعة الفلاسفة، رغم إعلانه هذا الذي أثار غضب رئيس أساقفة باريس. وليتصور القارئ فولتير أو ديدرو يقرءان هذا الكلام:

"لقد استشرت جماعة الفلاسفة، فوجدتهم كلهم سواء في الغرور، والجزم، والدجماطية، يتظاهرون-حتى في شكوكيتهم المزعومة-بأنهم عليمون بكل شيء، لا يثبتون شيئاً، ويهزأ بعضهم ببعض. وقد بدت لي .... هذه الخاصة الأخيرة، النقطة الوحيدة التي أصابوا فيها. فهم ضعاف في الدفاع رغم تبجحهم في الهجوم. زن حججهم تجدها كلها مدمرة، وأحصِ أصواتهم تجد كلاً منهم يتحدث عن نفسه وحده .... وما من واحد فيهم-إن تصادف واكتشف الفرق بين الباطل والحق-لا يؤثر باطله على الحق الذي اكتشفه غيره من قبله. فأين الفيلسوف الذي يعفُ عن خداع الدنيا بأسرها في سبيل مجده (٦٦) ".

ومع أ، روسو واصل تنديده بالتعصب، فإنه على نقيض بيل أدان الكفر لأنه أشد خطراً من التعصب. وقدم لقرائه "إعلاناً بالإيمان" رجا به أن يحول التيار من إلحاد دولباخ، وهلفتيوس، وديدرو، عوداً إلى الإيمان-اللذين التقى بهما في صباه، فمزج بينهما وأخرج من المزيج كاهناً وهمياً في سافوي، وأنطق هذا الكاهن الريفي بالمشاعر والحجج التي بررت (في نظر روسو) العودة إلى الدين.