ويصور روسو كاهن سافوي قسيساً على أبرشية صغيرة في الألب الإيطالية. وهو يعترف سراً بشيء من الشكوكية، ويرتاب في الوحي الإلهي للأنبياء، وفي معجزات الرسل والقديسين، وفي صحة الإنجيل (٦٧)؛ ثم يتساءل كما تساءل هيوم "من يجرؤ على أن يخبرني كم شاهد عيان يقتضيهم إقناعنا بتصديق معجزة ما؟ (٦٨) " وهو ي فض صلاة التضرع، فصلواتنا يجب أن تكون ترانيم لمجد الله، وتعبيرات عن امتثالنا لمشيئته (٦٩). وهو يرى الكثير من مواد العقيدة الكاثوليكية حديث خرافة أو أساطير الأولين (٧٠). ومع ذلك يشعر بأنه يحسن خدمة شعبه بكتمان شكوكه، وممارسة العطف على الجميع والبر بهم (مؤمنين مغير مؤمنين على السواء). وأداء طقوس الكنيسة الرومانية كلها بأمانة. فالفضيلة ضرورية للسعادة، والإيمان بالله، وبحرية الإرادة، وبالجنة، وبالنار، ضروري للفضيلة، والأديان رقم ما قارنت من جرائم جعلت الرجال والنساء أكثر فضيلة، أو على الأقل أقل قسوة ولؤماً مما كان يمكن أن يكونوا. فإذا بشرت هذه الأديان بعقائد تبدو لنا غير معقولة، أو إذا أرهقتنا بطقوسها ومراسمها، وجب أن نسكت شكوكنا في سبيل الجماعة.
والدين صواب في جوهره حتى من وجهة نظر الفلسفة. ويستهل الكاهن الكتاب كديكارت بقوله "إنني موجود ولي حواس أتلقى من خلالها الانطباعات، هذه أولى الحقائق التي تسترعي انتباهي، وأنا مضطر إلى قبولها (٧١) ". وهو يرفض رأي باركلي:"إن سبب أحاسيسي خارج عني، لأنها تؤثر فيّ سواء كان عندي داع لها أو لم يكن، وهي تخلق وتهدم مستقلة عني .. إذن توجد كيانات أخرى فضلاً عني". ونقطة ثالثة ترد على هيوم وتسبق كانت: أنني أجد لدي القدرة على المقارنة بين أحاسيسي، إذن فقد وهبت قوة إيجابية للتعامل مع التجربة (٧٢). وهذا العقل لا يمكن تفسيره على أنه شكل من أشكال المادة، فليس في فعل التفكير أمارة على عملية مادية أو ميكانيكية. أما كيف يستطيع عقل غير مادي يؤثر في جسم مادي فذلك أمر يجاوز فهمنا، ولكنه حقيقة تدرك للتو، ويجب ألا ننكرها لأجل الاستدلال