المجرد. وعلى الفلاسفة أن يتعلموا الاعتراف بأن شيئاً ما قد يكون حقيقياً ولو عجزوا عن فهمه-خصوصاً إذا كان يدرك بأسرع من جميع الحقائق.
والخطوة التالية (كما يسلم الكاهن) هي الاستدلال العقلي الخاص. فأنا لا أدرك الله بحسي، ولكن استدل عقلاً على أنه كما أن في أفعالي الإرادية عقلاً هو السبب المدرك للحركة، كذلك هناك على الأرجح عقل كوني وراء تحركات الكون. وإن الله لا يمكن معرفته، ولكن أشعر أنه تعالى موجود وفي كل مكان. وأبصر قصداً في مئات الحالات، من تكوين عيني إلى حركات النجوم، وينبغي ألا أفكر في أن أنسب إلى الصدفة (مهما ازداد تكاثرها "على طريقة ديدرو") تكييف الوسائل وفق الغايات في الكائنات الحية ونظام العالم، أكثر مما أنسب إلى الصدفة تجميع الحروف تجميعاً لذيذاً في طبع الإنيادة (٧٣).
فإذا كان هناك إله ذكي وراء عجائب الكون، فمحال أنه سيسمح بأن يهزم الحق هزيمة دائمة. ولا بد لي من الإيمان بإله يؤكد انتصار الخير، ولو لأتحاشى ذلك الإيمان الكئيب بانتصار الشر. إذن يجب أن أؤمن بحياة آخرة، بجنة تجزى فيها الفضيلة. ومع أن فكرة الجحيم تقززني، وأوثر عليها الاعتقاد بأن الأشرار يصلون نار جهنم في قلوبهم، فإنني متقبل حتى تلك العقيدة الرهيبة إذا اقتضاها ضبط الدوافع الشريرة في الإنسان. وفي تلك الحالة أتوسل إلى الله ألا يجعل الجحيم خالدة (٧٤). ومن ثم كانت فكرة المطهر باعتباره مكاناً للعقوبة الممكن اختزالها للخطاة جميعاً إلا أشدهم عناداً وعصياناً أكثر إنسانية من تقسيم الموتى كلهم إلى فريق المباركين إلى الأبد، والهالكين إلى الأبد. وهبنا عاجزين عن البرهان على وجود الجنة، فيالها من قسوة أن ننتزع من الناس هذا الرجاء الذي يعزيهم في أحزانهم ويشدد عزائمهم في هزائمهم (٧٥). ولو انعدم الإيمان بالله وبالآخرة؛ لتعرضت الفضيلة للخطر وتجردت الحياة من معناها، لأن الحياة في الفلسفة الملحدة صدفة آلية تمر بمئات الآلام إلى موت أليم أبدي.