إلى رجعة سياسية أعدتها إلى التعاون الكامل مع الكنيسة باعتبارها أقوى معقل للملكية. وأهمل الكثير من القوانين التقدمية التي سنت في عهد شارل الثالث، وأستعاد التفتيش بعض سلطاته، وأوقف استيراد الأدب الفرنسي، وحظرت جميع الصحف إلا صحيفة مدريد اليومية الرسمية، وأقصي عن البلاط خوفيللانوس وكامبومانيس وأراندا. وابتهج الشعب بانتصار إيمانهم الذي يعتزون به. وفي ١٧٩٣ انضمت أسبانيا إلى الحرب التي خاضتها الملكيات ضد فرنسا الثائرة.
في وسط هذا المعمعان حالف الحظ جويا. ففي إبريل ١٧٨٩ عين "رساماً للحجرة" فلما مرضت خوزيفا وأشار الطبيب بهواء البحر علاجاً لها صحبها جويا إلى بلنسيه (١٧٩٠) حيث كرمه القوم كأنه فيلاسكويز أسبانيا الجديد. وواضح أن الطلب أشتد عليه من أقصى أسبانيا إلى أقصاها، لأننا نجده في ١٧٩٢ في قادس ضيفاً على سبستيان مارتينيز. وفي طريق عودته أصيب في إشبيلية بالدوار والشلل الجزئي، فعاد إلى صديقه في قادس، وظل نهباً للقلق طوال فترة نقاهة غير قصيرة.
فأي مرض هذا الذي شكا منه؟ لقد وصفه بايو وصفاً غامضاً بقوله أنه "ذو طبيعة رهيبة جداً". وخامره الشك في أن جويا سيبرأ منه يوماً ما (٩٩). وكتب رياتر صديق جويا في مارس ١٧٩٣:"لقد جلب على جويا هذا المأزق افتقاره إلى التدبر، ولكن لابد من مواساته بكل الشفقة التي يتطلبها مصابه (١٠٠) ". وقد فسر دارسون كثيرون هذا المرض بأنه من أعقاب الزهري (١٠١) ولكن آخر تحليل طبي رفض هذا الرأي وشخصه بأنه التهاب أعصاب تلافيف الأذن (١٠٢). أياً كان الأمر فإن جويا كان فاقد السمع حين عاد إلى مدريد في يوليو ١٧٩٣، وكذلك ظل إلى يوم مماته. وفي فبراير ١٧٩٤ كتب خوفيللانوس في يوميته "كنبت إلى جويا، فرد بأنه كان عاجزاً حتى عن الكتابة نتيجة السكتة الدماغية التي أصيب بها (١٠٣) ". ولكن الشلل زال شيئاً فشيئاً، وما وافى عام ١٧٩٥ حتى كان في جويا من العافية ما أغراه بالوقوع في الحب.