وكانت تريزا كاتيانا ماريا ديل بيلار الدوقة الثالثة عشرة من سلالة ألبا الشهيرة. وكان أبوها قد تشرب الفلسفة الفرنسية، فرباها على مبادئ متحررة، وتلقت تعليماً هيأ لها عقلاً يقظاً وإرادة عنيدة. فلما بلغت الثالثة عشرة تزوجت الدوق خوزيه دي توليدو أوزوريو، دوق ألبا البالغ من العمر تسعة عشر ربيعاً. وكان الدوق رقيق الجسد معلولاً، فلزم بيته أكثر الوقت وأغرق نفسه في الموسيقى. ورسمه جويا جالساً إلى البيانو أمام نوتة لهايدن. وكانت الدوقة متغطرسة جميلة شهوانية. وقد لاحظ رحالة فرنسي أنه "ليس في رأسها شعرة لا تثير الشهوة (١٠٤) "، وكانت تشبع رغباتها دون قيد من فضيلة أو نفقة أو طبقة. واقتنت في بيتها شخصاً معتوهاً، وراهباً أعور، وزنجية صغيرة أصبحت ربيبتها المفضلة. ولكن كان وراء هذه المغامرات الجريئة نفس سمحة كريمة، ولعلها انعطفت نحو جويا لأنه كان أصم تعساً بقدر ما مالت إليه لأنه يستطيع أن يخلدها بفرشاته.
ولا بد أنه رآها مراراً قبل أن تقف ليرسمها، لأنها كانت تحوم داخل البلاط وخارجه وتثير الأقاويل بمغازلاتها وبعدائها الجريء للملكية. وأول صورة تحمل تاريخاً رسمها لها تبدو فيها بطولها كله، وقد لفت قسماتها النحيلة الحارة في لمة من الشعر الأسود، ويمناها تشير إلى شيء على الأرض. فإذا تأملنا الصورة قرأنا عليها بوضوح هذه العبارة "إلى دوقة ألبا دي جويا ١٧٩٥ (١٠٥) ". وهنا إيماءة إلى صداقة قائمة فعلاً. وليست الصورة من روائع جويا. ويفضلها كثيراً تلك التي رسمها في العام نفسه لفرانسسكو بايو الذي كان قد مات لتوه. وفي نوفمبر خلفه جويا مديراً لمدرسة التصوير بالأكاديمية.
ومات دوق ألبا في يونيو ١٧٩٦. واعتكفت الدوقة فترة حداد وجيزة في ضيعتها الريفية بسانلوكار، بين إشبيلية وقاديس. وليس من المؤكد أن جويا رافقها، ولا علم لنا إلا بغيابه عن مدريد من أكتوبر ١٧٩٦ إلى إبريل ١٧٩٧، وبتدوينه في كراستين رسوماً لبعض ما رأى في سانلوكار. ومعظم الرسوم تبدو فيها الدوقة تستقبل الضيوف، أو تربت الزنجية، أو تشد شعرها في نوبة غضب، أو تتقيل (بينما تنقل الخادمة المبولة)(١٠٦)، أو يغشى