اختير لزخرفة قبة كنيسة سان أنطوني دي لافلوريدا وقلب قوصرتها، ومع أنه أثار غضب الأكليروس بتصويره الملائكة بأطراف شهوانية، إلا أن الكل تقريباً أجمعوا على أنه نقل إلى تلك الفراغات المقدسة، في صورة الهام، حياة شوارع مدريد ودمها. وفي ٣١ أكتوبر ١٧٩٩ عين "مصور البلاط الأول" براتب قدره خمسون ألف ريال في العام. ورسم في (١٨٠٠) أشهر لوحاته قاطبة وهي "شارل الرابع وأسرته (١١٠) "- وهي كشف قاس عن بلاهة الأسرة المالكة، ونحن نقشعر حين نتخيل منظر هذه المجموعة من الأبدان المنتفخة والأرواح القميئة إذا جردوا من ثيابهم البراقة- وتلك براعة في الإشعاع والتألق ندر أن بزها رسام في تاريخ الفن. ويروي التاريخ أن الضحايا أعربوا عن كامل الرضى عن اللوحة (١١١).
وفي ركن من اللوحة رسم جويا نفسه. وعلينا أن نغفر أنانية صوره الذاتية الكثيرة، ولا ريب في أن بعضها كان دراسات تجريبية استخدم فيها مرآة، شأنه فيها شأن ممثل يتدرب على التعبير بسحنته أمام المرآة، واثنتان منهما رائعتان. وخيرهما (اللوحة الأولى من الكابريكو) يبدو فيها في الخمسين، أصم ولكن في كبرياء، له ذقن عدواني، وشفتان شهوانيتان وعيون فظة، وشعر ينمو فوق أذنيه ويكاد يصل إلى ذقنه، وتتوج هذا كله قبعة حريرية فاخرة تعلوا رأسه الضخم كأنها تحد لجميع نبلاء الدنيا المحظوظين. وبعد تسعة عشر عاماً من رسمه هذه اللوحة، وبعد أن نجا من ثورة، رمى القبعة، وفتح قميصه عن عنقه، وكشف عن نفسه في مزاج ألطف. لم تزل له كبرياؤه، ولكن فيه من الثقة الكبيرة بنفسه ما يربأ به عن التحديات (١١٢).
وكان رسم الأشخاص أقوى نواحي فنه. ومع أن معاصريه كانوا يعلمون بأنه لن يتملقهم، فأنهم خضعوا في لهفة لحكم فن راودهم الأمل في أنه سيحمل ذكراهم قروناً طوالاً سواء كانت الذكرى مبعث صيت ذائع أو عار يخزيهم. ولدينا علم بثلاثمائة نبيل وثمانية وثمانين عضواً في الأسرة المالكة جلسوا أمامه ليرسمهم، وقد بقيت من هذه الصور مائتان. ومن أفضلها صورة لفرديناند جييمارويه، السفير الفرنسي، وقد أتى بها صاحبها إلى