للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للموسيقى، والسمر، والأكل، ولعب الورق، والنوم. وفوق هذا كلها صهريجاً للمياه صمم لإطفاء أي حريق. هنا ظفر تشيما روزا وكيروبيني بانتصارات مدوية.

وكان العصر عصر البطولة لكورسكا. لقد كانت تلك الجزيرة الجبلية الصغيرة مثقلة بأحداث التاريخ. فالفينيقيون القادمون من آسيا الصغرى أقاموا مستعمرات فيها حوالي ٥٦٠ق. م. ثم قهرهم الأثروريون، الذين قهرهم القرطاجنيون، الذين قهرهم الرومان، الذي قهرهم الروم البيزنطيون، الذين قهرهم الفرنجة، الذي قهرهم المسلمون، الذين قهرهم إيطاليو تسكانيا، الذي قهرهم البيزاويون، الذي قهرهم الجنويون (١٣٤٧). ومات في ذلك القرن ثلثا السكان من الطاعون الأسود. وفي ظل الحكم الجنوي انحدر الكورسيكيون الذين أرهقهم الوباء وغارات القراصنة، والذين حرمت عليهم المناصب الكبرى وأثقلت كواهلهم بضرائب لا يطيقونها، وانقلبوا إلى حال أشبه بالتوحش لم يحترم فيها قانون غير قانون الثورات العنيفة .. وأخفقت الثورات التي اندلعت بين الحين والحين لما ابتلي به القوم من عداوات طاحنة وما افتقدوا من العون الأجنبي. أما جنوه ففي سبيل الدفاع عن حياتها ضد الجيوش النمساوية استنجدت بفرنسا لتعينها على حفظ النظام في كورسكا. واستجابت فرنسا مخافة أن يستولي البريطانيون على الجزيرة ويستخدموها قلعة يتسلطون منها على البحر المتوسط، فاحتلت الجنود الفرنسية أياتشو وغيرها من الحصون الكورسيكية (١٧١٩ - ٤٨). ولما بدا أن الأمن قد استتب انسحب الفرنسيون، وعاد سلطان جنوه إلى سابق عهده، وبدأت ثورة باولي التاريخية.

وقد سبق باسكالي دي باولي هذه البطولات غاريبالدي بقرن كامل. وقد وصفه اللورد شاتام بأنه "واحد من هؤلاء الرجال الذين لم يعد الناس يعثرون عليهم إلا في صفحات بلوتارخ (٨) ". ولد (١٧٢٥) ابناً لثائر كورسيكي وتبع أباه إلى المنفى، ودرس في نابلي على يد الاقتصادي المتحرر جينوفيزي، وخدم في جيش نابلي، ثم عاد إلى كورسيكا (١٧٥٥)