ولنضف إلى هذه الباقة من الزهر زهرة من التنوير الإيطالي هي فقرة كتاب جايتانو فيلانجييري "على التشريع" La Seienza Della Legislazione، (١٧٨٠ - ٨٥) ، استوحاها من بكاريا وفولتير.
"ما ينبغي أن يكون الفيلسوف مخترعاً للمذاهب بل رسولَا للحقيقة، وما دامت الشرور التي ابتليت بها البشرية قائمة بغير شفاء، وما دام مسموحاً للخطأ والتحيز بأن يخلدا هذه الشرور، وما دامت الحقيقة مقصورة على القلة وعلى المميزين، محجوبة عن معظم النوع الإنساني وعن الملوك، فسيظل واجب الفيلسوف أن يبشر بالحقيقة، وأن يحافظ عليها ويشجعها، وينيرها. وحتى إذا كانت الأضواء التي ينشرها لا تفيد في جيله وقومه، فإنها لا شك ستفيد في بلد وجيل آخرين. فالفيلسوف- ذلك المواطن في كل مكان وزمان- أمامه الدنيا كلها وطناً، والأرض مدرسة، والأجيال القادمة تلاميذ"(٨٩).
وقد لخص العهد كله في الفييري: فالإنتقاض على الخرافة، وتمجيد الأبطال الوثنيين، والتنديد بالاستبداد، والإشادة بالثورة الفرنسية، والنفور من شططها والصيحة المطالبة بتحرير إيطاليا- كل هذا مضافاً إلى قصة غرام حرام ووفاء نبيل. وقد سجل هذه الحياة المشبوهة في "حياة فيتوريو الفييري … وكتوبة بقلمه، موصولة إلى ما قبل موته بخمسة أشهر. وهي من أعظم التراجم الذاتية، لا تقل كشفاً عن نفس صاحبها عن "اعترافات" روسو. ويستهلها بعبارة يلقي القارئ أمامها السلاح: "إن حديث المرء عن نفسه، وأكثر منه الكتابة عن نفسه- إنما هو دون أدنى شك وليد المحبة الفائقة التي يحبها المرء لذاته، وبعدها لا يتوارى الكاتب خلف قناع من التواضع ولا تند عنه أمارة على عدم الأمانة: