وغيرها من أسباب الثراء تتزايد بسرعة نتيجة لتلميح الكهنة للمرضى المشرفين على الموت بأن في استطاعته التكفير عن آثامهم واسترضاء الله بالإيصاء ببعض الثروة للكنيسة، فإذا سارت الأمور على هذا المنوال فلابد أن يأتي قريباً ذلك اليوم الذي تصبح فيه الكنيسة-التي هي فعلاً دولة داخل الدولة-سيدة على الحكومة. وكانت أديرة الراهبات والرهبان تتكاثر فتقصي الرجال والنساء على الحياة الناشطة وتعفي المزيد من الثروة من الضرائب. وكان الصبايا يغرين بنذر أنفسهن للرهبنة قبل أن يبلغن السن التي يدركن فيها مغزى التكريس مدى الحياة وقد بلغ تسلط الأكليروس على التعليم حداً تشكل معه كل عقل نامٍ على أن يدين بولائه الأعلى للكنيسة لا للدولة. واستسلمت الملكة لهذه الحجج استسلاماً حملها على الأمر ببعض الإصلاحات الهامة. فحظرت وجود الكنسيين عند كتابة الوصايا. وأنقصت عدد المؤسسات الدينية، وأمرت بفض الضرائب على جميع الثروة الدينية. وحرمت النذر للرهبنة قبل سن الحادية والعشرين. وحظرت الكنائس والأديرة إيواء المجرمين بمقتضى "حق اللجوء". وأمرت بألا يعترف بأي منشور بابوي في المملكة النمساوية قبل أن يحصل على تصديق الإمبراطورة. واخضع ديوان التفتيش لإشراف الحكومة، لا بل أنه في الواقع ألغيً. وأعيد تنظيم التعليم تحت إدارة جوهارت فان سفيتن (طبيب الملكة) والأب فرانتس راوتنشراوخ، وأحل العلمانيون محل اليسوعيين في كثير من كراسي الأساتذة (٩)، وأخضعت جامعة فيينا للإدارة العلمانية وإشراف الدولة، وروجت المناهج فيها وفي غيرها بهدف التوسع في تعليم العلوم والتاريخ (١٠). وهكذا سبقت الإمبراطورة التقية إلى حد ما الإصلاحات الكنسية التي سيقوم بها ابنه الشكاك.
وكانت مثلاً في الفضيلة في زمن نافست فيه قصور الدول المسيحية الآستانة في تعدد الزوجات. ولعل الكنيسة كانت مستخدمة إياها حجة وبرهاناً على فضل التمسك بالعقيدة لولا أن أغسطس الثالث ملك بولندا ولويس الخامس عشر ملك فرنسا وكلاهما كاثوليكي كان أشره العشاق